الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولًا: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَسْنُونٌ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ، روى الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثانيًا: يُسْتَحَبُّ صِيَامُ يَوْمٍ قَبْلَهُ، لِمَا جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ».
قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ صِيَامُ يَوْمٍ بَعْدَهُ، لِمَا روى البيهقي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا» وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
ثالثًا: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ إلى كَرَاهَةِ إِفْرَادِ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ خُصُوصًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أُخْتِهِ.
وَتَنْتَفِي هَذِهِ الكَرَاهَةُ بِصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَو بَعْدَهُ.
رابعًا: ذَكَرَ الفُقَهَاءُ أَنَّ الصَّوْمَ المَنْدُوبَ إِلَيْهِ شَرْعًا لَا يُتْرَكُ لِمُوَافَقَتِهِ يَوْمًا يُكْرَهُ أَنْ يُفْرَدَ بِالصِّيَامِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَدَلَّ الحَدِيثُ الشَّرِيفُ عَلَى أَنَّ مَنِ اعْتَادَ صِيَامًا ثَابِتًا ثُمَّ وَافَقَ ذَلِكَ اليَوْمُ يَوْمًا يُكْرَهُ فِيهِ الصِّيَامُ مُنْفَرِدًا، فَإِنَّهُ يَصُومُهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ في ذَلِكَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مُنْفَرِدًا جَائِزٌ شَرْعًا، وَلَو صَادَفَ يَوْمَ السَّبْتِ، لِأَنَّ الحَدِيثَ الذي جَاءَ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إِفْرَادِ يَوْمِ السَّبْتِ فِيهِ اخْتِلَافٌ كَبِيرٌ بَيْنَ أَهْلِ الحَدِيثِ.
فَإِذَا صَادَفَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ السَّبْتِ وَصَامَهُ الإِنْسَانُ وَحْدَهُ فَلَيْسَ في ذَلِكَ بَأْسٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَامَهُ لِأَنَّهُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، لَا لِأَنَّهُ يَوْمُ السَّبْتِ، كَمَا لَو صَادَفَ يَوْمُ السَّبْتِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ يَصُومُهُ.
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَ عَاشُورَاءَ وَيَوْمًا بَعْدَهُ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى بِذَلِكَ.
كَذَلِكَ الحُكْمُ لِمَنْ صَادَفَ عَادَتَهُ، كَالذي يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَصَادَفَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَصَوْمُهُ يَوْمَ السَّبْتِ وَفِطْرُهُ يَوْمَ الأَحَدِ.
وَفي الخِتَامِ: مَنْ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لِوَحْدِهِ فَصِيَامُهُ صَحِيحٌ، وَلَو صَادَفَ يَوْمَ السَّبْتِ، لِأَنَّ الصَّائِمَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ سُنَّةٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ صِيَامَ يَوْمِ السَّبْتِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |