الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالإِشْهَادُ عَلَى عَقْدِ الزَّوَاجِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالحِكْمَةُ مِنَ الإِشْهَادِ عَلَى عَقْدِ الزَّوَاجِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِ المُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الوَلَدُ، فَاشْتُرِطَتِ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ فَيَضِيعُ نَسَبُهُ، وَلِأَنَّ الحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلى دَفْعِ تُهْمَةِ الزِّنَا عَنِ الزَّوْجَيْنِ.
وَشُهُودُ عَقْدِ الزَّوَاجِ وَالإِشْهَارُ بِهِ هُوَ دَعْوَةٌ للآخَرِينَ لِإِحْيَاءِ هَذِهِ السُّنَّةِ، وَتَرْغِيبٌ للآخَرِينَ فِيهَا، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
أَمَّا الإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَاقِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا إلى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِدُونِ إِشْهَادٍ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ حَقِّ الرَّجُلِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلى بَيِّنَةٍ مَا دَامَ الرَّجُلُ مُقِرًّا بِالطَّلَاقِ، وَلَمْ يرِدْ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الإِشْهَادِ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ أَبْغَضَ الحَلَالِ إلى اللهِ الطَّلَاقُ، وَالإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِشْهَارُهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الطَّلَاقِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَاجُ إلى شُهُودٍ مَادَامَ الزَّوْجُ مُقِرًّا بِهِ، وَحَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الطَّلَاقِ الذي هُوَ أَبْغَضُ الحَلَالِ إلى اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.