الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَد روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا سَاجِدٌ قَدْ عَقَصْتُ شَعْرِي فَحَلَّهُ، وَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ.
وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ، يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَرَأْسِي؟
فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا، مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» يَعْنِي: مَشْدُودَ اليَدَيْنِ إلى كَتِفِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ شَعْرَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُنْتَشِرًا لَا يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ، وَلَا يُعْتَبَرُ في مَعْنَى السَّاجِدِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، كَمَا أَنَّ المَكْتُوفَ لَا تَقَعُ يَدَاهُ عَلَى الأَرْضِ.
وَعَقْصُ الشَّعْرِ هُوَ شَدُّ ضَفِيرَةِ الشَّعْرِ حَوْلَ الرَّأْسِ كَمَا تَفْعَلُ النِّسَاءِ، أَو يُجْمَعُ الشَّعْرُ فَيُعْقَدُ في مُؤَخِّرَةِ الرَّأْسِ.
وَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ عَقْصِ الشَّعْرِ في الصَّلَاةِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، فَلَو صَلَّى كَذَلِكَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَعَقْصُ شَعْرِ المَرْأَةِ للزِّينَةِ جَائِزٌ شَرْعًا، عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ خَارِجَ البَيْتِ حَتَّى لَا يَلْفِتَ نَظَرَ الرِّجَالِ إِلَيْهَا، وَيُكْرَهُ عَقْصُ شَعْرِ الرِّجَالِ في الصَّلَاةِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.
وَحُكْمُ إِطَالَةِ شَعْرِ الرَّأْسِ للرِّجَالِ الأَصْلُ فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خَاضِعٌ للعَادَاتِ وَالعُرْفِ، فَإِذَا جَرَى العُرْفُ وَاسْتَقَرَّتِ العَادَةُ بِأَنَّهُ لَا يُطِيلُ شَعْرَهُ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ عُرِفُوا بِعَدَمِ الاسْتِقَامَةِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الاسْتِقَامَةِ التَّشَبُّهُ بِهِمْ. هذا، والله تعالى أعلم.