الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَد روى الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلَا الكَافِرُ المُسْلِمَ».
وروى الإمام الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وروى الإمام البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟
فَقَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ».
وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْ مِنْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا شَيْئًا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَا يَرِثُ المُؤْمِنُ الكَافِرَ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ الكَافِرَ لَا يَرِثُ المُسْلِمَ، حَتَّى وَلَو أَسْلَمَ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرْكَةِ، لِأَنَّ المَوَارِيثَ قَدْ وَجَبَتْ لِأَهْلِهَا بِمَوْتِ المُوَرِّثِ.
وَكَذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ المُسْلِمَ لَا يَرِثُ الكَافِرَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ المِيْرَاثِ *** وَاحِـدَةٌ مِـنْ عِـلَــلٍ ثَلَاثِ
رِقٌّ وَقَـتْـلٌ وَاخْـتِلَافُ دِيْنِ *** فَافْهَمْ فَلَيْسَ الشَّكُّ كَالْيَقِيْنِ
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّوَارُثِ بَيْنَ المُسْلِمِ وَالكَافِرِ مَا وَرَدَ مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
وَيَقُولُ: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾.
فَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ مِنْ نَصْرَانِيَّةٍ، وَمَاتَتْ زَوْجَتُهُ فَلَا يَرِثُ مِنْهَا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ فَلَا تَرِثُ هِيَ مِنْهُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |