الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالزِّنْدِيقُ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّنْدَقَةِ، وَالزَّنْدَقَةُ هِيَ الضِّيقُ، وَالزِّنْدِيقُ ضَيِّقٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ لَا يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ، وَلَا يُؤْمِنُ بِوَحْدَانِيَّةِ الخَالِقِ.
وَالزَّنْدَقَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ هِيَ إِظْهَارُ الإِسْلَامِ وَإِبْطَانُ الكُفْرِ، فَالزِّنْدِيقُ هُوَ مَنْ يُظْهِرُ الإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الكُفْرَ.
وَالزِّنْدِيقُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ مَنْ لَا يَدِينُ بِدِينٍ.
أَمَّا الفَاسِقُ فَمَأْخُوذٌ مِنَ الفِسْقِ، وَالفِسْقُ هُوَ الفُجُورُ وَالخُرُوجُ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ وَالتَّرْكُ لِأَمْرِ اللهِ تعالى، وَالعِصْيَانُ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾. أَيْ: خُرُوجٌ عَنِ الحَقِّ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الفُقَهَاءِ في أَنَّ مُرْتَكِبَ الكَبَائِرِ فَاسِقٌ.
أَمَّا مُرْتَكِبُ الصَّغَائِرِ فَلَا يَفْسُقُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالزِّندِيقُ هُوَ الذي لَا يَتَمَسَّكُ بِشَرِيعَةٍ، وَلَا يَدِينُ بِدِينٍ، يُظْهِرُ الإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الكُفْرَ.
أَمَّا الفَاسِقُ فَهُوَ المُسْلِمُ الذي ارْتَكَبَ كَبِيرَةً قَصْدًا، أَو صَغِيرَةً مَعَ الإِصْرَارِ عَلَيْهَا بِلَا تَأْوِيلٍ.
وَقَدْ يَتَبَادَرُ إلى الذِّهْنِ قَوْلُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَنْ تَصَوَّفَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ فَقَدْ تَزَنْدَقَ، وَمَنْ تَفَقَّهَ وَلَمْ يَتَصَوَّفْ فَقَدْ تَفَسَّقَ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ تَحَقَّقَ؛ المَقْصُودُ مِنَ الفَقْرَةِ الأُولَى وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ: أَنَّهُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ التَّصَوُّفِ وَأَعْرَضَ عَنْ سِيَاجِ الشَّرِيعَةِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ تَحْلِيلِ الحَلَالِ وَتَحْرِيمِ الحَرَامِ، فَقَدْ يُخْرِجُهُ هَذَا عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ حَتَّى يَصِلَ إلى الزَّنْدَقَةِ.
وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للفَقْرَةِ الثَّانِيَةِ: مَنْ تَفَقَّهَ ظَاهِرًا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الإِخْلَاصُ في الأَعْمَالِ فَقَدْ يُوصِلُهُ ذَلِكَ إلى الفِسْقِ.
وَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ نَصِفَ إِنْسَانًا بِعَيْنِهِ بِصِفَةِ الزَّنْدَقَةِ أَو الفِسْقِ. هذا، والله تعالى أعلم.