الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولًا: مِنْ شُرُوطِ الهِبَةِ قَبْضُ المَوْهُوبِ، وَهُوَ شَرْطُ لُزُومٍ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ المِلْكُ للمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ القَبْضِ.
يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نُحْلًا؛ ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا، فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ: مَالِي بِيَدِي، لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ: هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ، مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً، فَلَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا، حَتَّى تَكُونَ إِنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ، فَهِيَ بَاطِلٌ. رواه الإمام مالك في الموطأ.
ثانياً: إِنْ كَانَ القَصْدُ مِنْ هَذَا العَطَاءِ الإِضْرَارُ بِالوَرَثَةِ ـ وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ بِالنِّيَّاتِ ـ فَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ، فَقَدْ روى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ.
وروى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ».
ثالثاً: إِذَا كُنْتَ تَخْشَى عَلَى ذُرِّيَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ فَأُوصِيكَ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: 9]. فَالذينَ يُرِيدُونَ السَّلَامَةَ لِذُرِّيَّتِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، وَمِنَ التَّقْوَى للهِ U أَنْ تَتْرُكَ أُمُورَ التَّرِكَاتِ كَمَا شَرَعَهَا اللهُ U لَنَا، وَاللهُ تعالى هُوَ الحَافِظُ وَالمُغْنِي، وَلَنَا عِبْرَةٌ كَبِيرَةٌ في قِصَّةِ سَيِّدِنَا مُوسَى وَسَيِّدِنَا الخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مَعَ أَهْلِ القَرْيَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: 82].
رابعاً: لَو كُنْتَ فَقِيرًا وَلَكَ إِخْوَةٌ، أَلَا تَتَمَنَّى أَنْ يَرْعَى إِخْوَتُكَ بَنَاتِكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَلِمَاذَا عِنْدَمَا كُنْتَ غَنِيًّا تُحَاوِلُ أَنْ تَحْرِمَ إِخْوَتَكَ مِنْ إِرْثٍ أَحَلَّهُ اللهُ U لَهُمْ؟
وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ: اخْتَرِ الذي تَرَاهُ مُنَاسِبًا. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |