الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالرَّقْصُ بِشَكْلٍ عَامٍّ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ، وَذَلِكَ لِمَا رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتِ الْحَبَشَةُ يَزْفِنُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيَرْقُصُونَ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَقُولُونَ؟».
قَالُوا: يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ.
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ (يَرْقُصُونَ) فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ.
أَمَّا إِذَا صَاحَبَ الرَّقْصَ أَمْرٌ مُحَرَّمٌ، كَشُرْبِ خَمْرٍ، أَو كَشْفِ عَوْرَةٍ، أَو تَشَبُّهٍ بِأَهْلِ الفِسْقِ وَالفُجُورِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِالاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ إِذَا كَانَ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ المُخَنَّثِينَ؛ هَذَا أَوَّلَاً.
ثانياً: رَقْصُ النِّسَاءِ أَمَامَ بَعْضِهِنَّ بِدُونِ تَكَسُّرٍ وَبِدُونِ مُيُوعَةٍ، وَبِدُونِ صَوْتِ مُوسِيقَا، وَبِدُونِ كَشْفِ عَوْرَاتٍ، وَبِدُونِ تَشَبُّهٍ بِالفَاسِقَاتِ الفَاجِرَاتِ، وَبِدُونِ إِثَارَةِ شَهَوَاتٍ جَائِزٌ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالأَصْلُ في الرَّقْصِ أَنَّهُ مُبَاحٌ للرِّجَالِ أَمَامَ الرِّجَالِ، وَللنِّسَاءِ أَمَامَ النِّسَاءِ، مَا لَمْ يَصْحَبْهُ مُنْكَرٌ مِنَ المُنْكَرَاتِ.
فَإِذَا كَانَ رَقْصُ النِّسَاءِ أَمَامَ النِّسَاءِ لَيْسَ فِيهِ خِفَّةٌ وَلَا رُعُونَةٌ، وَلَيْسَ مَصْحُوبَاً بِالمُوسِيقَا، وَلَيْسَ فِيهِ كَشْفٌ للعَوْرَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالفَاسِقَاتِ الفَاجِرَاتِ، فَلَا بَأْسَ فِيهِ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ.
وَالوَاقِعُ الذي تَعِيشُهُ النِّسَاءُ اليَوْمَ في الحَفْلَاتِ مَلِيءٌ بِالمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَفِيهِ كَشْفٌ للعَوْرَاتِ، وَهَذَا حَرَامٌ شَرْعَاً، وَفِيهِ المُوسِيقَا، وَهَذَا حَرَامٌ شَرْعَاً، وَفِيهِ خِفَّةٌ وَرُعُونَةٌ وَتَكَسُّرٌ وَتَخَنُّثٌ، وَهَذَا حَرَامٌ شَرْعَاً.
وَالأَقْبَحُ مِنْ كُلِّ هَذَا عِنْدَمَا يَدْخُلُ العَرِيسُ عَلَى عَرُوسِهِ فِي حَفْلِ النِّسَاءِ وَيَرْقُصُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَمَامَ النِّسَاءِ عَلَى أَصْوَاتِ المُوسِيقَا وَالتَّصْفِيقِ.
اللَّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ مُنْكَرَاتٌ لَا نَرْضَى بِهَا، وَلَا نَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |