الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَمِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةُ الدِّينِ، وَخَاصَّةً إِذَا أُصِيبَ الإِنْسَانُ في أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِينِنَا، وَاسْتُرْ أَعْرَاضَنَا، وَاخْتِمْ بِالبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ آجَالَنَا وَأَعْمَالَنَا. هذا أولاً.
ثانياً: بِرُّ الوَالِدَيْنِ مِنْ أَوْجَبِ الوَاجِبَاتِ التي أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ الشَّرِيفُ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ حَتَّى للوَالِدَيْنِ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، وَيَحْرُمُ هَجْرُ الوَالِدَيْنِ وَإِنْ أَمَرَا وَلَدَهُمَا بِالكُفْرِ الذي هُوَ مُتَلَبِّسٌ فِيهِما وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.
ثالثاً: روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، وَلَو كَانَ الأَمْرُ يَتَعَلَّقُ بِوَالِدَيْهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾.
مِنْ خِلَالِ هَذَا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يَأْمُرَ أُمَّهُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهَا عَنِ المُنْكَرِ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، فَإِنْ أَصَرَّتْ وَأَبَتْ وَرَفَضَتِ الاسْتِجَابَةَ لِأَمْرِ اللهِ تعالى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ أَبَاهُ إِنْ كَانَ حَيًّا، وَإِلَّا فَالوَاجِبُ أَنْ يُعْلِمَ إِخْوَتَهَا لِمُعَالَجَةِ هَذَا المَوْضُوعِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجِبُ عَلَى الوَلَدِ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، وَالسَّتْرُ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَبَتْ فَلْيُعْلِمْ أَخْوَالَهُ إِذَا كَانَ أَبُوهُ مَيْتًا أَو مُطَلِّقًا، وَعَلَيْهِ مُصَاحَبَتُهَا بِالمَعْرُوفِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الجُلُوسُ مَعَهَا أَثْنَاءَ كَشْفِ عَوْرَتِهَا بِالثِّيَابِ القَصِيرَةِ أَو الشَّفَّافَةِ أَو الضَّيِّقَةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ لَهَا.
وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُلْهِمَهُ الصَّبْرَ، وَيُعْظِمَ أَجْرَهُ، وَيَشْرَحَ صَدْرَ أُمِّهِ للتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ النَّصُوحِ.
وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلْيَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ إِيذَاءِ أُمِّهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |