الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ صَرَّحَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ مَا يُزِيلُهُ الشَّخْصُ مِنْ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَدَمٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ مِيل بِنْتِ مِشْرَحٍ الأَْشْعَرِيَّةِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ أَبِي يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَدْفِنُهُ وَيَقُول: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَفْعَل ذَلِكَ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَال: كَانَ يُعْجِبُهُ دَفْنُ الدَّمِ. أخرجه الخلال كما في المغني لابن قدامة.
وَجَاءَ في كَشَّافِ القِنَاعِ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يُعْجِبُهُ دَفْنُ الدَّمِ.
وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَيَدْفِنُهُ أَمْ يُلْقِيهِ؟
قَالَ: يَدْفِنُهُ.
قُلْتُ: بَلَغَكَ فِيهِ شَيْءٌ؟
قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
وَجَاءَ في فَتْحِ البَارِي: وَقَدِ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا دَفْنَهَا لِكَوْنِهَا أَجْزَاءً مِنَ الآدَمِيِّ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَجَسَدُ الإِنْسَانِ في الأَصْلِ مُحْتَرَمٌ، وَلِذَلِكَ نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ دَفْنِ الأَظْفَارِ وَالشَّعْرِ، وَمَا سَقَطَ مِنْ جَسَدِ الإِنْسَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَآلُ جِسْمِهِ كُلِّهِ، قَالَ تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾.
وَلَا يَلِيقُ بِالمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَ شَعْرَهُ وَأَظْفَارَهُ تُلْقَى في القُمَامَةِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِدَفْنِ الشَّعْرِ وَالأَظْفَارِ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِدَفْنِ الشَّعْرِ، وَالْأَظْفَارِ. هذا، والله تعالى أعلم.