الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالقَزَعُ هُوَ أَنْ يُحْلَقَ بَعْضُ الرَّأْسِ، وَيُتْرَكَ بَعْضُهُ؛ وَفي اللُّغَةِ: هُوَ قِطَعٌ مِنَ السَّحَابِ رَقِيقَةٌ، الْوَاحِدَةُ قَزَعَةٌ. هَذَا أولًا.
ثانيًا: اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ القَزَعِ، لِمَا روى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعْرِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: «احْلِقُوهُ كُلَّهُ، أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ».
وروى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ.
قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: وَمَا الْقَزَعُ؟
قَالَ: يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ.
ثالثًا: اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في عِلَّةِ النَّهْيِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِكَوْنِهِ يُشَوِّهُ الخِلْقَةَ.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لِأَنَّهُ زِيُّ الشَّيْطَانِ.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لِأَنَّهُ زِيُّ اليَهُودِ.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لِأَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ الشَّرِّ وَالدَّعَارَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَّرَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِالتَّسَاوِي، أَمَّا التَّقْصِيرُ مِنْ جَانِبَيِ الرَّأْسِ، أَو مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِن وَسَطِهِ فَيَدْخُلُ في القَزَعِ المَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَسُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ حَلْقِ القَفَا، فَقَالَ: هُوَ مِنْ فِعْلِ المَجُوسِ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ.
فَحِلَاقَةُ القَزَعِ فِعْلٌ مُنْكَرٌ، وَمِنَ التَّقْلِيدِ الأَعْمَى لِغَيْرِ المُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَى الآبَاءِ أَنْ يَتَنَبَّهُوا لِأَوْلَادِهِمْ، لأَنَّ الكَثِيرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ جَاهِلٌ الحُكْمَ الشَّرْعِيَّ.
وَأَقُولُ لِشَبَابِ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ: بِاللهِ عَلَيْكُمْ لَا تُكَثِّرُوا سَوَادَ سُفَهَاءِ الأُمَّةِ، وَلَا تُقَلِّدُوا إِلَّا أَهْلَ الكَمَالِ. هذا، والله تعالى أعلم.