الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذِهِ أُمُورٌ غَيْبِيَّةٌ لَا نَعْلَمُهَا إِلَّا مِنْ خِلَالِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَمِنَ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ التي جَاءَتْ مِنْ فَمِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وَلَا تُعْلَمُ الأُمُورُ الغَيْبِيَّةُ بِالعَقْلِ، وَلَا تُعْلَمُ وَتُعْرَفُ إِلَّا بِالنَّقْلِ. هَذَا أولًا.
ثانيًا: تَضَافَرَتِ الأَدِلَّةُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَلَا فَنَاءَ لَهَا، مَعَ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الخُلُودُ في نَارِ جَهَنَّمَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾. وَقَالَ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾.
وروى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ ـ زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَاتَّفَقَا فِي بَاقِي الْحَدِيثِ ـ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟
فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ.
قَالَ: وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟
قَالَ: فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ.
قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ.
قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ».
قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ وَالفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّهَا دَارُ عَذَابٍ لَا تَفْنَى، وَلَا يَفْنَى أَهْلُهَا، وَهِيَ بِلَا نِهَايَةٍ، كَمَا أَنَّ الجَنَّةَ لَا فَنَاءَ لَهَا، وَلَا لِأَهْلِهَا، وَلَا لِنَعِيمِهَا.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ في عَقِيدَتِهِ: وَالجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لَا تَفْنَيَانِ وَلَا تَبِيدَانِ.
جَعَلَنَا اللهُ تعالى مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |