الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ».
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ غَسَّلَ مَيْتًا أَنْ يَغْتَسِلَ، بَلْ وَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ غَسْلَ المَيْتِ يُشْبِهُ غَسْلَ الحَيِّ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غَسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ، فَإِنَّ مَيِّتَكُمْ لَيْسَ بِنَجَسٍ، فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَلَكِنْ يُسَنُّ لِمَنْ غَسَّلَ مَيْتًا أَنْ يَغْتَسِلَ، للحَدِيثِ المَذْكُورِ، وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كُنَّا نُغَسِّلُ الْمَيِّتَ، فَمِنَّا مَنْ يَغْتَسِلُ، وَمِنَّا مَنْ لَا يَغْتَسِلُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَأَمَّا الوُضُوءُ لِمَنْ حَمَلَ مَيْتًا، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ لَا يَجِبُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ». أَيْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْمِلَ مَيْتًا فَلْيَتَوَضَّأْ، اسْتِعْدَادًا للصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يُحْمَلُ للصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ القُرْآنَ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾. وَالمُرَادُ الاسْتِعَاذَةُ بِاللهِ عِنْدَ إِرَادَةِ القِرَاءَةِ، لَا عِنْدَ الفَرَاغِ مِنَ التَّلَاوَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ غَسَّلَ مَيْتًا أَنْ يَغْتَسِلَ، وَلَا يَجِبُ؛ وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ.
وَأَمَّا مَنْ حَمَلَ مَيْتًا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الوُضُوءُ بَعْدَ حَمْلِهِ، لِأَنَّ حَمْلَهُ لَيْسَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ نَقْضِ الوُضُوءِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَالحَدِيثُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ حَمْلَ المَيْتِ أَنْ يَتَوَضَّأَ، حَتَّى لَا يُفَوِّتَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاةَ الجِنَازَة إِنْ وُضِعَتْ للصَّلَاةِ عَلَيْهَا. هذا، والله تعالى أعلم.