الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالحَدِيثُ رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه وَالإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ لِيَ امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا.
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوْ احْفَظْهُ».
وَفي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَه عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ رَجُلًا أَمَرَهُ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ ـ شَكَّ شُعْبَةُ ـ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ مِائَةَ مُحَرَّرٍ، فَأَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي الضُّحَى وَيُطِيلُهَا، وَصَلَّى مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ، وَبِرَّ وَالِدَيْكَ».
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَحَافِظْ عَلَى وَالِدَيْكَ أَوِ اتْرُكْ».
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ» أَيْ: خَيْرُهَا وَأَحْسَنُهَا وَأَعْلَاهَا وَأَفْضَلُهَ؛ وَهَذَا مَا نَجِدُهُ في أَبْوَابِ القُصُورِ وَالحَدَائِقِ في الدُّنْيَا، حَيْثُ يُجْعَلُ البَابُ الأَكْبَرُ وَسَطَ القَصْرِ أَوِ الحَدِيقَةِ.
فَالحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَفِيهِ تَرْغِيبٌ بِبِرِّ الوَالِدَيْنِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ» أَيْ: خَيْرُهَا وَأَعْلَاهَا وَأَفْضَلُهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ خَيْرُ مَا يُتَوَسَّلُ بِه ِإلى دُخُولِ الجَنَّةِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَيْهَا؛ وَكَمَا يُقَالُ: خَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَطُهَا.
وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾. هذا، والله تعالى أعلم.