الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾.
فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ في بَعْضِ الأَحْكَامِ:
فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى أَو كُبْرَى، فَلَا يَحِلُّ للزَّوْجِ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الاسْتِمْتَاعِ، بَلْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَلِيَ بِهَا، لِأَنَّهَا صَارَتِ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَلَهُ كُلُّ ذَلِكَ، مَا دَامَتْ في العِدَّةِ، لِأَنَّهَا في حُكْمِ الزَّوْجَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ يُرْجِعْهَا إلى عِصْمَتِهِ انْقَلَبَ الطَّلَاقُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ إلى طَلَاقٍ بَائِنٍ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا بَيْنُونَةً كُبْرَى، حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُبْقِيَهَا في مَسْكَنِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَيَسْكُنَ هُوَ مَسْكَنًا مُسْتَقِلًّا عَنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا مُسْتَقِلًّا فَلَا حَرَجَ أَنْ يَبْقَى في نَفْسِ المَسْكَنِ الذي فِيهِ مُطَلَّقَتُهُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ فِيهِ كَالرَّجُلِ الغَرِيبِ تَمَامًا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَلَا الخَلْوَةُ بِهَا، حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. هذا، والله تعالى أعلم.