الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ، فَنَهَاهُ ـ أَوْ كَرِهَ ـ أَنْ يَصْنَعَهَا.
فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ.
فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ».
وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ».
وَفي رِوَايَةٍ للحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الشِّفَاءَ».
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى تَحْرِيمِ الانْتِفَاعِ بِالخَمْرِ للمُدَاوَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَوْجُهِ الانْتِفَاعِ، كَاسْتِخْدَامِهَا في دُهْنٍ، أَو طَعَامٍ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالتَّدَاوِي بِالخَمْرِ وَلَو كَانَ بِنِسْبَةٍ قَلِيلَةٍ حَرَامٌ شَرْعًا، مَا دَامَتْ هُنَاكَ الأَدْوِيَةُ المُبَاحَةُ التي تَحُلُّ مَكَانَهُ.
وَيَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: المَذْهَبُ الصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الخَمْرِ للتَّدَاوي. هذا، والله تعالى أعلم.