الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَلِلَّهِ الحَمْدُ، وَلَهُ الفَضْلُ وَالمِنَّةُ، أَنْ جَعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ شِفَاءً لِمَا في الصُّدُورِ، وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ في القُرْآنِ العَظِيمِ عِلَاجَ هَذَا القَلَقِ.
أَوَّلًا: كَثْرَةُ ذِكْرِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. وَعَلَى رَأْسِ الذِّكْرِ تِلَاوَةُ القُرْآنِ العَظِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
فَأَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تعالى، وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ وِرْدًا مِنَ الأَذْكَارِ، وَحَافِظْ عَلَى تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَاقْرَأْ في كُلِّ يَوْمٍ جُزْءًا مِنْهُ.
ثَانِيًا: حَافِظْ عَلَى صَلَوَاتِكَ، وَأَكْثِرْ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ، حَافِظْ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى وَالأَوَّابِينَ وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَالتَّهَجُّدِ، بَعْدَ المُحَافَظَةِ عَلَى سُنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَأَنْتَ تَذْكُرُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾.
وَتَذَكَّرْ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ.
وَكَانَ يَقُولُ لِسَيِّدِنَا بِلَالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَعِلَاجُ القَلَقِ وَالاضْطِرَابِ كَثْرَةُ ذِكْرِ اللهِ تعالى، مَعَ كَثْرَةِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَأَنْ تُقَوِّيَ إِيمَانَكَ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَكُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ اللهَ تعالى قَدْ ضَمِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
لِنَنْشَغِلْ بِالَّذِي كَلَّفَنَا اللهُ تعالى بِهِ، وَلَا نَقْلَقْ بِمَا ضَمِنَهُ اللهُ تعالى لَنَا ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
وَأَخِيرًا أُذَكِّرُكَ بِالحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي رَوَاه الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟
قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ». هذا، والله تعالى أعلم.