لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ

13472 - لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ

22-02-2025 224 مشاهدة
 السؤال :
مَا شَرْحُ الحَدِيثِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13472
 2025-02-22

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى العَفُوُّ، وَالغَافِرُ، وَالغَفَّارُ، وَمِنْ صِفَاتِهِ الحُسْنَى أَنَّهُ يَغْفِرُ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ الخَلْقِ لَا يُذْنِبُونَ، فَلِمَنْ يَغْفِرُ؟

خَلَقَ اللهِ تعالى الإِنْسَانَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَعْصِي، وَأَنَّهُ يَتُوبُ إلى رَبِّهِ، وَأَنَّهُ يَنْسَى ثُمَّ يَتَذَكَّرُ وَيَتُوبُ إلى اللهِ تعالى، فَالإِنْسَانُ خَطَّاءُ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ». هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ فِيهِ بَيَانُ سَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَمَغْفِرَتِهِ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، وَهَذَا الحَدِيثُ بَاعِثٌ لِلْمُسْلِمِ عَلَى عَدَمِ القُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، فَإِذَا أَذْنَبَ تَابَ وَأَنَابَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

يَقُولُ العَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾ أَيْ: لَا تَيْأَسُوا مِنْهَا، فَتُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَتَقُولُوا قَدْ كَثُرَتْ ذُنُوبُنَا وَتَرَاكَمَتْ عُيُوبُنَا، فَلَيْسَ لَهَا طَرِيقٌ يُزِيلُهَا وَلَا سَبِيلَ يَصْرِفُهَا، فَتَبْقَوْنَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُصِرِّينَ عَلَى العِصْيَانِ، مُتَزَوِّدِينَ مَا يُغْضِبُ عَلَيْكُمُ الرَّحْمَنُ، وَلَكِنِ اعْرِفُوا رَبَّكُمْ بِأَسْمَائِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَرَمِهِ وَجُودِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا مِنَ الشِّرْكِ، وَالقَتْلِ، وَالزِّنَا، وَالرِّبَا، وَالظُّلْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الكِبَارِ وَالصِّغَارِ. ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ أَيْ: وَصْفُهُ المَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ، وَصْفَانِ لَازِمَانِ ذَاتِيَّانِ، لَا تَنْفَكُّ ذَاتُهُ عَنْهُمَا، وَلَمْ تَزَلْ آثَارُهُمَا سَارِيَةً فِي الوُجُودِ، مَالِئَةً لِلْمَوْجُودِ، تَسُحُّ يَدَاهُ مِنَ الخَيْرَاتِ آنَاءِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَيُوَالِي النِّعَمَ عَلَى العِبَادِ وَالفَوَاضِلَ فِي السِّرِّ وَالجَهَارِ، وَالعَطَاءُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ المَنْعِ، وَالرَّحْمَةُ سَبَقَتِ الغَضَبَ وَغَلَبَتْهُ، وَلَكِنْ لِمَغْفَرِتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَنَيْلِهِمَا أَسْبَابٌ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا العَبْدُ، فَقَدْ أَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ، أَعْظَمَهَا وَأَجَلَّهَا، بَلْ لَا سَبَبَ لَهَا غَيْرُهُ، الإِنَابَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّأَلُّهِ وَالتَّعَبُّدِ، فَهَلُمَّ إِلَى هَذَا السَّبَبِ الأَجَلِّ، وَالطَّرِيقِ الأَعْظَمِ. اهـ.

وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَغْتَرَّ بِذَلِكَ فَيَتَجَرَّأَ بِسَبَبِهِ عَلَى المَعْصِيَةِ، فَمَا يُدْرِيهِ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَ الذَّنْبِ حَتَّى يَتُوبَ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ تُقْبَضُ رُوحُهُ حَالَ فِعْلِ الذَّنْبِ، أَو بَعْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ، وَلَوْ تَابَ فَمَا يُدْرِيهِ أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهُ قَدْ قُبِلَتْ؟

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالحَدِيثُ فِيهِ تَرْغِيبٌ لِمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَحَاوَلَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَصُدَّهُ عَنِ التَّوْبَةِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، أَنْ يُسْرِعَ إلى التَّوْبَةِ، وَلَا يَيْأَسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى وَمِنْ مَغْفِرَتِهِ، فَمَهْمَا وَقَعَ في الذُّنُوبِ ـ حَتَّى في الشِّرْكِ ـ وَتَابَ إلى اللهِ تعالى، فَاللهُ تعالى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ حَثٌّ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى مَعَاذَ اللهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وَلَكِنَّهُ في المُقَابِلِ لَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ تعالى، وَلِهَذَا قَالَ العُلَمَاءُ: يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا صِدْقَ التَّوْبَةِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

224 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالحديث الشريف

 السؤال :
 2025-02-27
 44
جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَعَهُ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ». مَاذَا يُفِيدُ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ؟
 السؤال :
 2025-02-27
 65
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُومُوا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ». أَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيثِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الاسْتِغَاثَةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
 السؤال :
 2025-02-22
 101
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: «أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا». وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، وَلَا سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ». فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ؟
 السؤال :
 2024-08-08
 953
مَا مَعْنَى الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»؟
 السؤال :
 2023-11-23
 41
مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)؟
 السؤال :
 2023-09-17
 7620
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَضَ إِحْضَارَ كِتَابٍ أَرَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ للأُمَّةِ، حَتَّى لَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5674
المقالات 3206
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422225782
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :