«فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ»

13477 - «فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ»

22-02-2025 100 مشاهدة
 السؤال :
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: «أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا». وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، وَلَا سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ». فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13477
 2025-02-22

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ (المِنْهَاجِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمِ بْنِ الحَجَّاجِ): إِنَّمَا يَكُونُ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وَزَكَاةً وَنَحْوَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبِّ وَاللَّعْنِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُسْلِمًا، وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَةً.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ أَوْ يَسُبُّهُ أَوْ يَلْعَنُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ؟

فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ، وَمُخْتَصَرُهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَفِي بَاطِنِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُسْتَوْجِبٌ لَهُ، فَيَظْهَرُ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتِحْقَاقُهُ لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَيَكُونُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبِّهِ وَدُعَائِهِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي وَصْلِ كَلَامِهَا بِلَا نِيَّةٍ، كَقَوْلِهِ: تَرِبَتْ يَمِينُكَ، عَقْرَى حَلْقَى؛ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: «لَا كَبِرَتْ سِنُّكَ» وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَكَ». وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ، فَخَافَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِجَابَةً، فَسَأَلَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً، وَقُرْبَةً وَطَهُورًا وَأَجْرًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِرِ وَالشَّاذِّ مِنَ الْأَزْمَانِ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ. اهـ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الحَدِيثَيْنِ، لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي النَّادِرِ مِنَ الأَزْمَانِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ العَادَةُ عِنْدَ العَرَبِ فِي كَلَامِهَا بِلَا نِيَّةٍ، وَلَا يُقْصَدُ مِنْهُ الدُّعَاءُ.

لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا، وَمَا انْتَقَمَ لِذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ، وَعِنْدَمَا قِيلَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا؛ فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ.

قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ».

وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي الجَوَابِ.

وَهَذَا مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ جَمِيلِ خُلُقِهِ، فَجَزَى اللهُ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الجَزَاءِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، وَأَمَاتَنَا عَلَى كَمَالِ وَصِدْقِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمُتَابَعَةِ سُنَّتِهِ المُطَهَّرَةِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

100 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالحديث الشريف

 السؤال :
 2025-02-27
 43
جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَعَهُ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ». مَاذَا يُفِيدُ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ؟
 السؤال :
 2025-02-27
 64
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُومُوا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ». أَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيثِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الاسْتِغَاثَةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
 السؤال :
 2025-02-22
 223
مَا شَرْحُ الحَدِيثِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»؟
 السؤال :
 2024-08-08
 953
مَا مَعْنَى الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»؟
 السؤال :
 2023-11-23
 40
مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)؟
 السؤال :
 2023-09-17
 7619
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَضَ إِحْضَارَ كِتَابٍ أَرَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ للأُمَّةِ، حَتَّى لَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5674
المقالات 3206
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422225288
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :