الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ:
أَوَّلًا: مَنْ تَعَمَّدَ الفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا رُخْصَةٍ شَرْعِيَّةٍ، فَقَدِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، وَانْتَهَكَ حُرْمَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، لِأَنَّهُ تَجَرَّأَ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللهِ تعالى فِي أَمْرٍ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَمَنِ اسْتَحَلَّ الفِطْرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَدْ كَفَرَ.
ثَانِيًا: يَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الفِطْرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا رُخْصَةٍ شَرْعِيَّةٍ، مَعَ الاعْتِقَادِ بِوُجُوبِ صِيَامِهِ، التَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفَارُ، وَقَضَاءُ مَا أَفْطَرَ مِنَ الأَيَّامِ، مَعَ الكَفَّارَةِ المُغَلَّظَةِ، وَهِيَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
وَلْيَذْكُرْ هَذَا العَبْدُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ».
ثَالِثًا: أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» فَلَا يَعْنِي أَنَّ صِيَامَ الدَّهْرِ بِنِيَّةِ قَضَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ قَضَاءَ ذَلِكَ اليَوْمِ، بَلْ يُجْزِئُهُ قَضَاءُ يَوْمٍ بَدَلًا عَنْ يَوْمٍ، مَعَ الكَفَّارَةِ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
وَيَقُولُ ابْنُ المُنِيرِ: يَعْنِي أَنَّ القَضَاءَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الأَدَاءِ، وَلَوْ صَامَ عِوَضَ اليَوْمِ دَهْرًا. اهـ.
وَقَدْ يُرَادُ مِنْ هَذِهِ الجُمْلَةِ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، أَنَّهُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا رُخْصَةٍ شَرْعِيَّةٍ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَصِّلَ أَجْرَ هَذَا اليَوْمِ الَّذِي فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ وَلَوْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ. هذا، والله تعالى أعلم.