ذكر لفظ الجلالة (الله) هل يحتاج إلى إذن؟

13497 - ذكر لفظ الجلالة (الله) هل يحتاج إلى إذن؟

03-03-2025 44 مشاهدة
 السؤال :
مَا حُكْمُ ذِكْرِ العَبْدِ لَفْظَ الجَلَالَةِ فَقَطْ، أَنْ يَقُولَ: اللهُ، بالمَدِّ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِهَذَا الذِّكْرِ مِنْ إِذْنٍ شَيْخٍ مُرَبِّ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13497
 2025-03-03

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَذِكْرُ لَفْظِ الجَلَالَةِ، اللهِ، مَطْلُوبٌ مِنَّا شَرْعًا، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾؟ أَلَمْ يَقُلْ: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾؟ وَاسْمُ رَبِّنَا: اللهُ؛ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ تعالى، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾.

بَلِ ذَاكِرُو هَذَا الاسْمِ هُمْ صَمَّامُ أَمَانٍ لِلْبَشَرِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللهُ، اللهُ».

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللهُ، اللهُ». هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: بَعْضُ النَّاسِ يَعْتَرِضُ عَلَى ذِكْرِ لَفْظِ الجَلَالَةِ (اللهِ) وَحْدَهَا، وَيَقُولُ: ذِكْرُ لَفْظِ الجَلَالَةِ وَحْدَهَا لَا يُفِيدُ جُمْلَةً تَامَّةً، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تعالى، وَهَذَا الكَلَامُ خَطَأٌ بَيِّنٌ؛ أَلَا تَرَى مَنْ يَرَى مَنْظَرًا بَدِيعًا فَيَقُولُ: (الله)، وَمَنْ يَشُمُّ وَرْدَةً عَطِرَةً يَقُولُ: (الله)؛ هَلْ مِنْ مُعْتَرِضٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: (الله) فِي هَذَا الحَالِ.

الذَّاكِرُ هُنَا يُخِاطِبُ وَيَذْكُرُ اسْمَ اللهِ تعالى الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، الذَّاكِرُ هُنَا يَذْكُرُ اسْمَ اللهِ الأَعْظَمَ الجَامِعَ لِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.

يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ عَابِدِينَ في حَاشِيَتِهِ المَشْهُورَةِ عِنْدَ شَرْحِ البَسْمَلَةِ وَبَحْثِهِ عَنْ لَفِظِ الجَلَالَةِ (اللهِ): رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ، وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرُ الْعَارِفِينَ حَتَّى أَنَّهُ لَا ذِكْرَ عِنْدَهُمْ لِصَاحِبِ مَقَامٍ فَوْقَ الذِّكْرِ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ.

وَيَقُولُ الإِمَامُ الجُنَيْدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: ذَاكِرُ هَذَا الاسْمِ (اللهِ) ذَاهِبٌ عَنْ نَفْسِهِ، مُتَّصِلٌ بِرَبِّهِ، قَائِمٌ بِأَدَاءِ حَقِّهِ، نَاظِرٌ إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ، قَدْ أَحْرَقَتْ أَنْوَارُ الشُّهُودِ صِفَاتِ بَشَرِيَّتِهِ. اهـ.

وَيَقُولُ سَيِّدِي أَبُو العَبَّاسِ المُرْسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: لِيَكُنْ ذِكْرُكَ [اللهُ، اللهُ]، فَإِنَّ هَذَا الاسْمَ سُلْطَانُ الأَسْمَاءِ، وَلَهُ بِسَاطٌ وَثَمَرَةٌ، فَبِسَاطُهُ العِلْمُ، وَثَمَرَتُهُ النُّورُ، وَلَيْسَ النُّورُ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، بَلْ لِمَا يَقَعُ بِهِ مِنَ الكَشْفِ وَالعِيَانِ، فَيَنْبَغِي الإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِهِ، وَاخْتِيَارُهُ عَلَى سَائِرِ الأَذْكَارِ، لِتَضَمُّنِهِ جَمِيعَ مَا فِي [لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ] مِنَ العَقَائِدِ وَالعُلُومِ وَالآدَابِ وَالحَقَائِقِ ... إلخ. اهـ.

وَيَقُولُ العَارِفُ بِاللهِ تعالى سَيِّدِي ابْنُ عَجِيبَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَالاسْمُ المُفْرَدُ (اللهُ) هُوَ سُلْطَانُ الأَسْمَاءِ، وَهُوَ اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُ، وَلَا يَزَالُ المُرِيدُ يَذْكُرُهُ بِلِسَانِهِ وَيَهْتَزُّ بِهِ حَتَّى يَمْتَزِجَ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَتَسْرِيَ أَنْوَارُهُ فِي كُلِّيَّاتِهِ وَجُزْئِيَّاتِهِ... إِلَى أَنْ قَالَ: فَيَنْتَقِلُ الذِّكْرُ إِلَى القَلْبِ ثُمَّ إِلَى الرُّوحِ ثُمَّ إِلَى السِّرِّ، فَحِينَئِذٍ يَخْرَسُ اللِّسَانُ وَيَصِلُ إِلَى الشُّهُودِ وَالعِيَانِ. اهـ.

رَابِعًا: ذِكْرُ لَفِظِ الجَلَالَةِ لَا يَحْتَاجُ إلى إِذْنٍ مِنْ مُرْشِدٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَذِنَ بِهِ بِنَصِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، بَلْ أَمَرَ بِهِ بِصَرَاحَةٍ فَقَالَ: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾.

أَمَّا مَنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ مُرْشِدًا فَيَأْخُذُ بِتَوْجِيهَاتِ شَيْخِهِ الَّذِي يُرَبِّيهِ، فَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِذِكْرِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَوْ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ الأَعْظَمِ، أَوْ مَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا لِحَالِهِ؛ وَلَا تَقُلْ: هَلِ الطَّاعَةُ تَحْتَاجُ إلى اسْتِئْذَانٍ، فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي العُمْرَةِ فَقَالَ: «أَيْ أُخَيَّ، أَشْرِكْنَا فِي دُعَائِكَ وَلَا تَنْسَنَا».

فَمَنْ لَهُ مُرْشِدٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ مُرْشِدَهُ فِي ذِكْرِ الاسْمِ الأَعْظَمِ (اللهِ)، فَإِنَّهُ اسْتِئْذَانُ لِحَالَةٍ خَاصَّةٍ يَتَفَرَّغُ فِيهَا المُرِيدُ أُسْبُوعًا كَامِلًا بِمَا يُسَمَّى الخَلْوَةَ، فَهِيَ رِيَاضَةٌ يَحْتَاجُ فِيهَا المُرِيدُ إِلَى الاسْتِعَانَةِ بِخِبْرَةِ الشَّيْخِ فِي دَفْعِ الخَوَاطِرِ وَالوَسَاوِسِ وَاسْتِشَارَتِهِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ المَفَاهِيمِ، وَكَمَا أَنَّ أَنْوَاعَ الرِّيَاضَاتِ المَادِّيَّةِ جَائِزَةٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ الاسْتِعَانَةِ بِخِبْرَةِ المُدَرِّبِ كَمَنْ يَتَدَرَّبُ بِحَمْلِ الأَثْقَالِ لِعِلْمِ كَمَالِ الأَجْسَامِ، فَالاسْتِشَارَةُ فِي رِيَاضَاتِ المُجَاهَدَاتِ مِنْ بَابِ أَوْلَى كَمَا كَانَ مِنْ تَوْجِيهِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَصُومَ صِيَامًا مُتَوَاصِلًا، فَدَلَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مَعَ أَنَّ الصِّيَامَ جَائِزٌ شَرْعًا.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَذِكْرُ لَفِظِ الجَلَالَةِ: (اللهِ) مَطْلُوبٌ مِنَّا شَرْعًا بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَفْظُ الجَلَالَةِ هُوَ الاسْمُ الجَامِعُ بِقَوْلِ العَلَّامَةِ الشَّيْخِ السَّعْدِيِّ عَلَى تَفْسِيرِ لَفِظِ الجَلَالَةِ: (اللهِ) في كِتَابِهِ: تَفْسِيرِ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى، فَذَكَرَ أَنَّ لَفَظَ (اللهِ) هُوَ الجَامِعُ لِمَعَانِي الأُلُوهِيَّةِ كُلِّهَا، وَهِيَ جَمِيعُ أَوْصَافِ الكَمَالِ. اهـ.

وَقَدْ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ قُرَّةِ عُيُونِ الأَخْيَارِ تَكْمِلَةِ رَدِّ المُحْتَارِ عَلَى الدُّرِّ المُخْتَارِ: أَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ حَتَّى صَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الاسْمُ الأَعْظَمُ. اهـ.

وَجَاءَ فِي كِتَابِ نِهَايَةِ المُحْتَاجِ إلى شَرْحِ المِنْهَاجِ: لَفْظُ الْجَلَالَةِ، فَإِنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى الذَّاتِ الْمُسْتَجْمِعِ لِسَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ. اهـ.

وَمَنْ كَانَ لَهُ مُرْشِدٌ وَشَيْخٌ يُزَكِّي لَهُ نَفْسَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِتَوْجِيهَاتِ شَيْخِهِ وَمُرْشِدِهِ فِي أَذْكَارِهِ، بَعْدَ أَدَائِهِ الأَذْكَارَ المَسْنُونَةَ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

44 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2025-02-22
 9
بَعْضُ النَّاسِ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةُ: لَا حَوْلَ للهِ، فَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَائِلِهَا شَيْءٌ؟
رقم الفتوى : 13478
 السؤال :
 2025-02-18
 16
مَا نَصِيحَتُكُمْ في هَذِهِ الأَيَّامِ الَّتِي كَثُرَ فِيهَا الجَدَلُ حَوْلَ الاحْتِفَالِ بِالمَوَالِدِ، وَزِيَارَةِ القُبُورِ، وَالآيَاتِ المُتَشَابِهَاتِ، وَالتَّوَسُّلِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ؟
رقم الفتوى : 13468
 السؤال :
 2025-02-11
 29
مَا حُكْمُ الأَبِ الَّذِي يَتَعَنَّتُ في تَزْوِيجِ بَنَاتِهِ، مَعَ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ لَهُنَّ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ وَالكَفَاءَةِ؟
رقم الفتوى : 13452
 السؤال :
 2025-02-11
 24
لِي صَدِيقٌ عَلَاقَتِي مَعَهُ جَيِّدَةٌ، غَيْرَ أَنِّي لَا أُحِبُّهُ، وَأَجِدُ في قَلْبِي حِقْدًا عَلَيْهِ وَلَا أَرْتَاحُ لَهُ، وَلَكِنْ أَقُومُ بِحُقُوقِ الأُخُوَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ مَعَهُ، فَهَلْ عَلَيَّ إِثْمٌ في عَدَمِ رَاحَتِي لَهُ؟
رقم الفتوى : 13451
 السؤال :
 2025-02-11
 61
أَشْعُرُ في هَذِهِ الأَيَّامِ بِقَلَقٍ شَدِيدٍ، وَلَا أَدْرِي مَا السَّبَبُ، فَمَا عِلَاجُ هَذَا القَلَقِ؟
رقم الفتوى : 13450
 السؤال :
 2024-11-27
 936
أَخِي يُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنِ امْرَأَةٍ فَاسِقَةٍ سَافِرَةٍ مُتَبَرِّجَةٍ، وَوَالِدَايَ لَا يُوَافِقَانِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْهَا، فَهَلْ يَحِقُّ لِلْوَالِدَيْنِ حِرْمَانُهُ مِنَ التَّرِكَةِ إِنْ تَزَوَّجَ مِنْهَا؟
رقم الفتوى : 13391

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5658
المقالات 3204
المكتبة الصوتية 4879
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 421511107
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :