معنى «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»

13245 - معنى «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»

08-08-2024 102 مشاهدة
 السؤال :
مَا مَعْنَى الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13245
 2024-08-08

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلَانِ مِنَ المَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا، أَوْ: إِنَّ بَعْضَ البَيَانِ لَسِحْرٌ».

وَقِيلَ: الرَّجُلَانِ هُمَا: الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ بْنِ امْرِئِ القَيْسِ، وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ، قَدِمَا في وَفْدِ تَمِيمٍ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الهِجْرَةِ مِنْ جِهَةِ العِرَاقِ، وَهِيَ شَرْقَ المَدِينَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، التَّمِيمِيُّونَ، فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا سَيِّدُ تَمِيمٍ، وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ، وَالْمُجَابُ فِيهِمْ، أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ، فَآخُذُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ، وَهَذَا يَعْلَمُ ذَاكَ ـ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ ـ.

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَشَدِيدُ الْعَارِضَةِ (ذُو جَلَدٍ وَصَرَامَةٍ) مَانِعٌ لِجَانِبِهِ، مُطَاعٌ فِي نَادِيهِ.

قَالَ الزِّبْرِقَانُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ عَلِمَ مِنِّي غَيْرَ مَا قَالَ، وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَّا الْحَسَدُ.

قَالَ عَمْرٌو: أَنَا أَحْسُدُكَ، فَوَاللهِ إِنَّكَ لَئِيمُ الْخَالِ، حَدِيثُ الْمَالِ، أَحْمَقُ الْمَوَالِدِ، مُضَيِّعٌ فِي الْعَشِيرَةِ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِيمَا قُلْتَ أَوَّلًا، وَمَا كَذَبْتُ فِيمَا قُلْتُ آخِرًا، لَكِنِّي رَجُلٌ رَضِيتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ، وَغَضِبْتُ فَقُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتُ، وَوَاللهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِي الْأَمْرِيْنِ جَمِيعًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا».

قَالَ في شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتُلِفَ في تَأْوِيلِهِ، فَحَمَلَهُ قَوْمٌ عَلَى الذَّمِّ لِأَنَّهُ ذَمَّ الكَلَامَ في التَّصَنُّعِ وَالتَّكَلُّفِ في تَحْسِينِهِ لِيَرُوقَ لِلسَّامِعِينَ وَلِيَسْتَمِلَّ بِهِ قُلُوبَهُمْ كَمَا يَفْعَلُ السِّحْرُ، حَيْثُ يُحَوِّلُ الشَّيْءَ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَيَصْرِفُهُ عَنْ جِهَتِهِ فَيَلُوحُ لِلنَّاظِرِينَ في غَيْرِ مَعْرِضٍ، فَكَذَلِكَ المُتَكَلِّمُ قَدْ يُحِيلُ الـشَّيْءَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِبَيَانِهِ وَيُزِيلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ بِلِسَانِهِ إِرَادَةَ التَّلْبِيسِ عَلَى السَّامِعِ.

أَوْ إِنَّ مِنَ البَيَانِ مَا يُكْسِبُ صَاحِبَهُ مِنَ الإِثْمِ مَا يَكْتَسِبُهُ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ.

أَوْ هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ صَاحِبِ الحَقِّ فَيَسْحَرُ القَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالحَقِّ وَشَاهِدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ» الحَدِيثَ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ المُرَادَ مِنْهُ مَدْحُ البَيَانِ وَالحَثُّ عَلَى تَحْسِينِ الكَلَامِ وَتَحْبِيرِ الأَلْفَاظِ.

وَقَالَ في شَرْحِ المِشْكَاةِ: وَالحَقُّ أَنَّ الكَلَامَ إِذَا كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ المَغْزَى وَالمَقَاصِدِ. اهـ. شرح القسطلاني.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالبَيَانُ لَيْسَ سِحْرًا في الحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّهُ كَالسِّحْرِ في اسْتِمَالَةِ القُلُوبِ، وَهُوَ مَمْدُوحٌ إِذَا صُرِفَ إلى الحَقِّ، وَمَذْمُومٌ إِذَا صُرِفَ إلى البَاطِلِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

102 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالحديث الشريف

 السؤال :
 2023-11-23
 8630
مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: (أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ: امْرَأَةٌ عَصَتْ زَوْجَهَا، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)؟
 السؤال :
 2023-09-17
 6730
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَضَ إِحْضَارَ كِتَابٍ أَرَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ للأُمَّةِ، حَتَّى لَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ؟
 السؤال :
 2023-08-07
 4927
مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ»؟
 السؤال :
 2023-02-25
 4213
مَا صِحَّةُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ»؟ وَمَا مَعْنَاهُ؟
 السؤال :
 2023-02-25
 2745
لَقَدِ انْتَشَرَتْ في صُفُوفِ النِّسَاءِ الأَحَادِيثُ المَكْذُوبَةُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قِبَلِ بَعْضِ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَتَظَاهَرْنَ بِأَنَّهُنَّ دَاعِيَاتٌ إلى اللهِ تعالى، فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟
 السؤال :
 2022-09-09
 4281
هُنَاكَ بَعْضُ المُشَكِّكِينَ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُونَ: أَيْنَ المُسَاوَاةُ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ خِلَالِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ»؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5630
المقالات 3195
المكتبة الصوتية 4861
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 418814889
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :