الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أَوَّلًا: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾.
وَيَقُولُ: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
فَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى أَنْ جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، فَالظُّلُمَاتُ في اللَّيْلِ مِنْ أَجْلِ رَاحَةِ الجَسَدِ، وَالنُّورُ في النَّهَارِ لِيَكُونَ مُقَوِّيًا عَلَى كَسْبِ المَالِ.
لِهَذَا أَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى المُبَادَرَةِ بِالنَّوْمِ بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ، وَكَرِهَ تَضْيِيعَ فَتْرَةِ اللَّيْلِ فِيمَا لَا يُفِيدُ خَيْرًا، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَيَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا.
ثَانِيًا: يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ مُتَابَعَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالقَائِلِ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُ لَيْلَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه البَيْهَقِيُّ قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَسَأَلْتُ أَبِي ـ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا للهِ (أَيْ: لِعِبَادَةِ اللهِ تعالى بِأَنْوَاعِ العِبَادَاتِ، مِنْ صَلَوَاتٍ وَتِلَاوَاتٍ وَدَعَوَاتٍ، وَتَذَكُّرٍ وَتَفَكُّرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ).
وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ (لِمُؤَانَسَتِهِمْ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ، وَالقِيَامِ بِمُهِمَّاتِهِمْ وَحَاجَاتِهِمْ).
وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ.
وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: رَقَدْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا لِأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، قَالَ: فَتَحَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ.
ثَالِثًا: لَقَدْ أَوْصَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟
قَالَ: «أُمُّكَ».
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ».
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ».
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعْطِيَ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِعْطَاءِ الجَسَدِ حَقَّهُ، وَإِعْطَاءِ الأُمِّ حَقَّهَا، وَإِعْطَاءِ الزَّوْجَةِ حَقَّهَا.
وَهَذَا السَّهَرُ إلى مَا بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ خَارِجَ البَيْتِ لَيْسَ صَحِيحًا، فَالزَّوْجَةُ لَهَا حَقُّهَا.
وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الأُمُّ أَرْمَلَةً لَا زَوْجَ لَهَا، فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ البَقَاءُ عِنْدَهَا إلى مَا بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، بَلِ الوَاجِبُ عَلَى الأُمِّ أَنْ تُحَرِّضَ وَلَدَهَا للذَّهَابِ إلى بَيْتِهِ مِنْ أَجْلِ زَوْجَتِهِ، وَأَنْ تُذَكِّرَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَخَاصَّةً إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ في سِنِّ الصِّبَا. هذا، والله تعالى أعلم.