الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمما خص الله به أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سلام أهل الجنة فجعله تحية فيما بينهم قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. والتحية هي قول: (السلام عليكم) وهذا هو سلام الملائكة لأهل الجنة، قال تعالى:{وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار}. اللهم اجعلنا من أهل الجنة.
وقد اختير هذا اللفظ دون غيره للمسلمين وجعل تحية فيما بينهم، وهو بمنزلة العهد فيما بينهم على صيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
وأما السلام على أهل الكتاب فمكروه ابتداءً لما فيه من التعظيم لهم، ولا بأس به ـ يعني خلاف الأولى ـ إن كانت له عنده حاجة، لأن السلام حينئذ لأجل الحاجة لا من أجل التعظيم، هذا عند السادة الحنفية والمالكية.
أما عند الشافعية والحنابلة فيحرم وذلك للحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ) رواه مسلم.
وبناء عليه:
فالأولى عدم السلام عليهم بتحية المسلمين وذلك خروجاً من الخلاف بين الفقهاء، ويستبدل بتحية غير تحية المسلمين وذلك كأن يقول لهم: أنعم الله صباحك، أسعد الله أوقاتك وينوي بذلك الدعاء لهم بالهداية، وعلى كل حال يجب على المسلم أن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ) رواه أحمد. فيكون صاحب خلق حسن مع الاحتفاظ بخصوصيات المسلمين فيما بينهم. هذا، والله تعالى أعلم.