الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَخِي الحَبِيبُ، لَا تُسَمِّ نَفْسَكَ عَاصِيَاً، بَلْ سَمِّ نَفْسَكَ أَوَّابَاً تَوَّابَاً، وَأُذَكِّرُكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَعِنْدَمَا يَكُونُ زَوَاجُكَ تَأَسِّيَاً بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الزَّوَاجَ يَكُونُ لَكَ عَوْنَاً عَلَى غَضِّ البَصَرِ وَحِفْظِ الفَرْجِ، فَصَحِّحِ النِّيَّةَ في زَوَاجِكَ، وَلَا تَجْعَلِ الغَايَةَ مِنَ الزَّوَاجِ إِثَارَةَ الشَّهَوَاتِ.
وَاحْذَرْ يَا أَخِي مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ، فَقَدْ جَاءَ في صَحِيحِ مسلم: «فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ».
وَمَا هَذَا المَيْلُ الذي تَجِدُهُ في نَفْسِكَ إِلَّا بِسَبَبِ كَثْرَةِ تَطَلُّعِكَ إلى النِّسَاءِ، وَاللُه تعالى يَقُولُ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.
وَوَرَدَ عَنْ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِيَّاكُمْ وَالنَّظْرَةَ، فَإِنَّهَا تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ شَهْوَةً، وَكَفَى بِهَا لِصَاحِبِهَا فِتْنَةً.
وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، امْشِ خَلْفَ الأَسَدِ وَالأَسْوَدِ وَلَا تَمْشِ خَلْفَ المَرْأَةِ.
وَذَكِّرْ نَفْسَكَ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولَاً﴾.
فَهَلْ أَعْطَاكَ اللهُ البَصَرَ لِتَنْظُرَ فِيهِ إلى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ عَنْكَ؟ فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ هَلْ تُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ اللُه بَصَرَكَ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ وَتَكُونَ أَعْمَى؟ كَمْ مِنْ إِنْسَانٍ فَاقِدٍ بَصَرَهُ؟ هَلْ يُعْجِزُ رَبَّنَا شَيْءٌ؟
اتَّقِ اللهَ في أَعْرَاضِ النَّاسِ، وَعَامِلِ النَّاسَ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوكَ، أَتَرْضَى أَنْ يَنْظُرَ النَّاسُ إلى مَحَارِمِكَ؟ يَقِينَاً لَا تَرْضَى، فَكَيْفَ تُبِيحُ لِنَفْسِكِ أَمْرَاً وَتَمْنَعُهُ عَنِ الآخَرِينَ؟ وَاعْلَمْ يَا أَخِي بِأَنَّ إِطْلَاقَ البَصَرِ للنَّظَرِ إلى النِّسَاءِ مِنْ ضَعْفِ الإِيمَانِ، فَعَلَيْكَ بِتَقْوِيَةِ الإِيمَانِ، وَذَلِكَ بِكَثْرَةِ تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً﴾. عَلَيْكَ أَنْ تَتَعَرَّفَ عَلَى أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى مِنَ القُرْآنِ العَظِيمِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾. كَيْفَ تَنْظُرُ إلى النِّسَاءِ وَاللُه رَقِيبٌ عَلَيْكَ؟
أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»؟ أَلَا تَعْتَقِدُ بِأَنَّ اللهَ يَرَاكَ؟ لَا تَجْعَلِ اللهَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ، أَيَسْتَحِي أَحَدُنَا أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الخَلْقِ في مَعْصِيَةٍ وَلَا يَسْتَحِي مِنَ اللهِ؟ وَاللهِ إِنَّهُ لَأَمْرٌ عَجِيبٌ.
لِذَلِكَ خُذْ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ لَنَا جَمِيعَاً: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ».
قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ للهِ.
قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ» رواه الترمذي.
فَاحْفَظْ رَأْسَكَ وَمَا وَعَاهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا وَعَاهُ رَأْسُكَ بَصَرُكَ، فَاحْفَظْ بَصَرَكَ حَتَّى يَحْفَظَهُ اللهُ تعالى لَكَ.
وَأَخِيرَاً أَقُولُ لَكَ: يَا أَخِي، أَكْثِرْ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ وَتَعَرَّفْ عَلَى صِفَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَعَلَيْكَ بِصُحْبَةِ الأَخْيَارِ، وَاحْذَرْ صُحْبَةَ الأَشْرَارِ، وَالْتَفِتْ إلى زَوْجَتِكَ فَهِيَ حَلَالٌ لَكَ، وَاحْذَرْ غَيْرَهَا فَإِنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْكَ، هَلْ رَأَيْتَ رَجُلَاً عَاقِلَاً يَغُضُّ بَصَرَهُ عَمَّا أَحَلَّ اللهُ لَهُ وَيُطْلِقُ بَصَرَهُ فِيمَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْهِ؟ أَيُّهُمَا أَرْضَى للهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ نَظَرُكَ إلى مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ أَمْ إلى مَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْكَ؟
أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكَ سَلَامَةَ الدِّينِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |