الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَتْلُ الخَطَأِ رَتَّبَ عَلَيْهِ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ دِيَةً وَكَفَّارَةً، وَالكَفَّارَةُ هِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾. إلى قوله تعالى: ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ يَعْنِي الرَّقَبَةَ ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ المَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ إلى وُجُوبِ الكَفَّارَةِ عَلَى القَاتِلِ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا، لِأَنَّهُمْ مَا اشْتَرَطُوا لِذَلِكَ البُلُوغَ وَالعَقْلَ، لِأَنَّ الكَفَّارَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ فَتَجِبُ في مَالِ الصَّبِيِّ، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ الصَّوْمُ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الكَفَّارَةَ مِنْ خِطَابِ الوَضْعِ، أَيْ جَعْلِ الشَّيْءِ سَبَبًا، فَالشَّرْعُ جَعَلَ القَتْلَ سَبَبًا لِتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ المَقْدِرَةِ، وَالصَّوْمُ عِنْدَ العَجْزِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الصَّوْمَ عَلَى الفَوْرِ.
وَخَالَفَ في ذَلِكَ الحَنَفِيَّةُ وَاشْتَرَطُوا لِوُجُوبِ الكَفَّارَةِ في القَتْلِ البُلُوغُ وَالعَقْلُ، لِأَنَّ القَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَعَلَى مَنْ قَتَلَ قَبْلَ سِنِّ التَّكْلِيفِ الكَفَّارَةُ، وَهِيَ عَتْقُ رَقَبَةْ، وَتَكُونُ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَيَصِحُّ صَوْمُهُ إِنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ البُلُوغُ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَالأَخْذُ بِقَوْلِ الجُمْهُورِ أَوْلَى وَأَحْوَطُ لِدِينِ القَاتِلِ خَطَأً. هذا، والله تعالى أعلم.