الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: المرأةُ المسلمةُ التي تمَّ اغتصابُها من قِبَلِ رجلٍ فاسقٍ فاجرٍ، بعد أن بَذَلَت ما في وُسعِها لِردِّه عنها، لا يضرُّها هذا الاعتداء في دِينِهَا ولا في أخلاقِهَا، ولا ذَنبَ عليها ولا إثم، لقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}. ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
ثانياً: ما من مصيبةٍ تقعُ على المسلِمِ أو المسلمَةِ إلا كفَّرَ الله تعالى بها من خطاياهما، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ، وَلا حُزْنٍ، وَلا أَذًى، وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
ثالثاً: الإجهاضُ بعدَ نفخِ الرُّوحِ حرامٌ شرعاً، ولو كان الحملُ من زنى، لأنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ردَّ المرأة التي زنت واستوجبت إقامةَ الحدِّ عليها حتى تَضَعَ حَملَهَا، وما أمرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بإسقاطِ حَملِهَا.
رابعاً: اختَلَفَ الفقهاءُ في حُكمِ الإجهاضِ قبل نفخِ الروحِ، فمنهُم مَن أَجازَهُ قَبلَ الأربعينَ يوماً، ومنهم مَن أَجازَهُ قَبلَ نَفخِ الروحِ لِعُذرٍ.
وبناء على ذلك:
فما دامتِ المرأةُ اغتُصِبَت مِن قِبَلِ رَجُلٍ فاسقٍ فاجرٍ ـ أسأل الله تعالى أن ينتقمَ منه عاجلاً غيرَ آجلٍ ـ ولم تتمكَّن من ردِّه عنها، فليست بآثمةٍ، ويجوزُ لها إسقاطُ هذا الحملِ وخاصَّةً قبل الأربعينَ يوماً، وهذه رُخصةٌ يجوزُ الأخذُ بها بسببِ هذا العذرِ، وإلا فلا يجوزُ إسقاطُهُ ولو قبلَ الأربعينَ يوماً. هذا، والله تعالى أعلم.