الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: أخرج الإمامان البخاري ومسلم عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ).
وأخرج الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقُولُوا: وعَلَيْكَ).
ثانياً: يقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}. ويقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}.
وبناء على ذلك:
فَرَدُّ السَّلامِ على أهلِ الذِّمَّةِ ـ ومنهم النَّصارى ـ لا بأسَ به وهو جائزٌ شرعاً.
جاء في الاختيار لتعليل المختار: ولا بأسَ بِرَدِّ السَّلامِ على أهلِ الذِّمَّةِ، لأنَّ الامتِناعَ عنهُ يُؤذِيهِم، والرَّدُّ إحسانٌ، وإيذاؤُهُم مكروهٌ، والإحسانُ بِهِم مَندوبٌ. اهـ.
فَرَدُّ السَّلامِ من العدلِ والإنصافِ، وأمَّا أن يبدأَهُ المسلمُ بالسَّلامِ، فعند جمهورِ الفقهاءِ لا يجوزُ لقوله تعالى: {وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}. ولِما أخرج الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ). إلا إذا خَشِيَ ضَرَرَهُ، والأولى أن يَستعملَ كلاماً يُفيدُ التَّحيَّةَ غيرَ لفظِ السَّلامِ. هذا، والله تعالى أعلم.