الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فقد جاء في صحيح مسلم عن جدامة بنت وهب الأسدية رضي الله عنها قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئاً)، ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك الوأد الخفي). الغيلة: أن يجامع الرجل المرأة وهي مرضع. والوأد: دفن البنت وهي حية، ويقال: وأدها يئدها وأداً فهي موؤودة، وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز. فجعل العزل ـ وهو تفريغ المني خارج الفرج ـ بمنزلة الوأد، إلا أنه خفي، لأن من يعزل عن امرأته فإنما يعزل هرباً من الولد، ولذلك سماه الموؤودة الصغرى، لأن وأد البنات الأحياء الموؤودة الكبرى. والعزل اختلف الفقهاء فيه على رأيين: الأول: الإباحة مطلقاً أذنت الزوجة أم لم تأذن، إلا أن تركه أفضل، وهو الراجح عند الشافعية. الثاني: الإباحة بشرط إذن الزوجة، فإن كان لغير حاجة كره، وهو قول الحنفية، إلا أنهم استثنوا ما إذا فسد الزمان فأباحوه دون إذنها. ودليل الإباحة، ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل. رواه البخاري. وفي رواية الإمام مسلم: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا. ودليل أخذ الإذن من الزوجة، ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عزل الحرة إلا بإذنها. وبناء على ذلك: فالعزل مباح بإذن الزوجة، مع الكراهة بدون عذر، لأنه يقلل النسل، ويقطع اللذة عن الزوجة. والعذر في العزل يتحقق في الأمور التالية:
1ـ إذا كانت الموطوءة في دار الحرب، ويخشى على الولد الكفر.
2ـ إذا كانت الموطوءة أمة، ويخشى الرق على ولده.
3ـ إذا كانت المرأة يمرضها الحمل، أو يزيد في مرضها.
4ـ إذا خشي على الرضيع من الضعف.
5ـ إذا فسد الناس وخشي من فساد ذريته.
فالعزل بدون عذر يكره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التكاثر بقوله صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) أخرجه أبو داود بسند حسن. وبقوله صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تكثروا) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه. هذا، والله تعالى أعلم.