الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يَلْزَمُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ إِذَا وَقَعَا في الفَاحِشَةِ التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ النَّصُوحُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانَاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾. فَإِذَا تَابَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَاللهُ تعالى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَلَا يُلْزَمُ التَّائِبَ إلى اللهِ تعالى مِنَ الزِّنَا بِالزَّوَاجِ مِنَ الزَّانِيَةِ، كَمَا لَا تُلْزَمُ هِيَ بِالزَّوَاجِ مِنْهُ.
ثانياً: إِسْقَاطُ الحَمْلِ لَا يَجُوزُ، وَلَو كَانَ مِنْ زِنَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا جَاءَتْهُ المَرْأَةُ التي زَنَتْ وَقَالَتْ لَهُ: طَهِّرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَمْ يَأْمُرْهَا بِإِسْقَاطِ حَمْلِهَا، بَلْ أَمَرَهَا أَنْ تَذْهَبَ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا.
ثالثاً: إِذَا تَمَّ إِسْقَاطُ الحَمْلِ، وَلَو كَانَ مِنْ زِنَا بَعْدَ أَنْ تَمَّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ، وَتَجِبُ الكَفَّارَةُ عِنْدَ بَعْضِهِم؛ وَالدِّيَةُ تَلْزَمُ مَنْ أَسْقَطَ الجَنِينَ، لِمَا روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَـقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْـمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ تَجِبُ الدِّيَةُ مَعَ الكَفَّارَةِ، وَهِيَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
رابعاً: إِذَا تَمَّ إِسْقَاطُ الحَمْلِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَهَذَا الفِعْلُ حَرَامٌ، وَيَجِبُ على مَنْ فَعَلَ وَبَاشَرَ وَأَمَرَ بِهِ التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ.
وبناء على ذلك:
فَإِذَا زَنَى الرَّجُلُ وَتَابَ إلى اللهِ تعالى، لا يَلْزَمُهُ الزَّوَاجُ مِنَ الزَّانِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ إِسْقَاطُ الجَنِينِ، وَلَو كَانَ مِنْ زِنَا، فَإِذَا تَمَّ إِسْقَاطُهُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِمْ بِالتَّوْبَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَعَلَى المُبَاشِرِ في الإِسْقَاطِ الدِّيَةُ وَالكَفَّارَةُ، وعلى البَاقِي التَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفَارُ. وَقَد أَضَافَ أُستاذُنا الدُّكتور أَحْمَد الَحجِّي الكُردي حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى عَلى الجَوابِ مَا يَلي: [وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الحَنَفِيَّةِ: إِذَا زَنَا بِهَا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهَا سَقَطَ الحَدُّ بِذَلِكَ عَنْهُمَا]. هذا، والله تعالى أعلم.