الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَد روى الإمام أحمد والبَيْهَقِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِن الْأَنْصَارِ، وَأَنَا غُلَامٌ مَعَ أَبِي، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُفْرَةِ الْقَبْرِ، فَجَعَلَ يُوصِي الْحَافِرَ وَيَقُولُ: «أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ، وَأَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ، لَرُبَّ عَذْقٍ (أي :نَخْلَةٌ بِحِملِهَا وَثَمَرِهَا) لَهُ فِي الْجَنَّةِ».
وفي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَالَ: فَرَأَيْتُهُ على حَفِيرَةِ القَبْرِ جَالِسَاً، فَقَالَ: «أَوْسِعْ من قِبَلِ رَأْسِهِ، فَرُبَّ عَذْقٍ لَهُ في الجَنَّةِ». وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وروى ابن ماجه عَن الْأَدْرَعِ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جِئْتُ لَيْلَةً أَحْرُسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَجُلٌ قِرَاءَتُهُ عَالِيَةٌ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا مُرَاءٍ؟
قَالَ: فَمَاتَ بِالْـمَدِينَةِ، فَفَرَغُوا مِنْ جِهَازِهِ، فَحَمَلُوا نَعْشَهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ارْفُقُوا بِهِ، رَفَقَ اللهُ بِهِ، إِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ».
قَالَ: وَحَفَرَ حُفْرَتَهُ، فَقَالَ: «أَوْسِعُوا لَهُ، أَوْسَعَ اللهُ عَلَيْهِ».
فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ حَزِنْتَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: «أَجَلْ، إِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ».
وبناء على ذلك:
فَيُسْتَحَبُّ تَوْسِيعُ القَبْرِ وَتَعْمِيقُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْفِرُوا، وَأَحْسِنُوا، وَأَوْسِعُوا، وَادْفِنُوا، وَأَعْمِقُوا» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِظُهُورِ الرَّائِحَةِ، وَآكَدُ لِسَتْرِ المَيْتِ. هذا، والله تعالى أعلم.