الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ على أَنَّ الخَمْرَ إِذَا تَخَلَّلَتْ بِغَيْرِ عِلَاجٍ، بِأَنْ تَغَيَّرَتْ مِنَ المَرَارَةِ إلى الحُمُوضَةِ، وَزَالَتْ أَوْصَافُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الخَلَّ حَلَالٌ طَاهِرٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الإِسْكَارُ، وَقَدْ زَالَتْ، وَالحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودَاً أَو عَدَمَاً.
وَكَذَلِكَ إِذَا تَخَلَّلَتْ بِنَقْلِهَا مِنْ شَمْسٍ إلى ظِلٍّ وَبِالعَكْسِ.
وَاخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في جَوَازِ التَّخْلِيلِ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا، كَالبَصَلِ وَالمِلْحِ وَنَحْوِهِمَا؛ فَالجُمْهُورُ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يَحِلُّ تَخْلِيلُ الخَمْرِ بِالعِلَاجِ، وَلَا تَطْهُرُ بِذَلِكَ، لِحَدِيثِ الإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلَّاً؟
فَقَالَ: «لَا».
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِهْرَاقِهَا، وَمَا يُلْقَى في الخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ المُلَاقَاةِ.
وَصَرَّحَ الحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا بِجَوَازِ تَخْلِيلِ الخَمْرِ بِالعِلَاجِ، فَتَصِيرُ بَعْدَ التَّخْلِيلِ طَاهِرَةً حَلَالَاً عِنْدَهُمْ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ».
وَلِأَنَّ بِالتَّخْلِيلِ إِزَالَةَ الوَصْفِ المُفْسِدِ، وَإِثْبَاتَ الصَّلَاحِ؛ كَمَا في دَبْغِ الجِلْدِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وبناء على ذلك:
فَلَيْسَ هُنَاكَ مُدَّةٌ مَشْرُوطَةٌ لِتَصْنِيعِ الخَلِّ، الـشَّرْطُ الوَحِيدُ هُوَ التَّحَوُّلُ مِنَ المَرَارَةِ إلى الحُمُوضَةِ، فَإِذَا صَارَ حَامِضَاً صَارَ خَلَّاً. هذا، والله تعالى أعلم.