الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ البَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ البَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ البَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ، وَكَانَ فِي البَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ (وَهُوَ السِّتْرُ الرَّقِيقُ مِنْ صُوفٍ ذِي أَلْوَانٍ) وَكَانَ فِي البَيْتِ كَلْبٌ؛ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالبَابِ فَلْيُقْطَعْ، فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ، وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالكَلْبِ فَيُخْرَجْ».
فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ الكَلْبُ جَرْوَاً لِلْحَسَنِ أَوِ الحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ (النَّضَدُ: شَيْءٌ تُوضَعُ عَلَيْهِ الثِّيَابُ شَبَهُ الـسَّرِيرِ) فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ.
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي (خِزَانَةً صَغِيرَةً) بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ.
فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابَاً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ».
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «فَقَطَعْنَاهُ، فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ».
وروى النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: «ادْخُلْ».
فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؛ فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُؤُوسُهَا، أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطَاً يُوطَأُ، فَإِنَّا مَعْشَرَ المَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتَاً فِيهِ تَصَاوِيرُ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ الصُّوَرَ لِذَاتِ الأَرْوَاحِ يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهَا على هَيْئَةٍ تَكُونُ فِيهَا مُعَلَّقَةً أَو مَنْصُوبَةً إِذَا كَانَتِ الصُّورَةُ كَامِلَةً.
أَمَّا إِذَا قُطِعَ مِنْهَا عُضْوٌ بِحَيْثُ لَا تَبْقَى الحَيَاةُ مَعَ المُصَوَّرِ جَازَ تَعْلِيقُهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَمَعَ الكَرَاهَةِ عِنْدَ المَالِكِيَّةِ.
وبناء على ذلك:
فَمَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ الصُّوَرِ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وَالأَوْلَى عَدَمُ تَعْلِيقِهَا، وَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ تَعْلِيقِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَنَبَّهَ إلى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا تَعْلِيقَاً فِيهِ مَظَنَّةُ التَّعْظِيمِ، وَأَنْ تَكُونَ الصُورَةُ المُعَلَّقَةُ مَقْطُوعَةَ عُضْوٍ بِحَيْثُ لَا تَبْقَى الحَيَاةُ مَعَهَا، وَأَنْ لَا تَكُونَ الصُّورَةُ مِنَ الصُّوَرِ التي تُحَرِّضُ عَلَى الفِسْقِ وَالفُجُورِ وَارْتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ، كَتَعْلِيقِ صُوَرِ النِّسَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.