الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذِهِ المَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ فِيهَا الفُقَهَاءُ؛ فَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ وفي رِوَايَةٍ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَيْسَ للزَّوْجِ أَنْ يَنْظُرَ إلى زَوْجَتِهِ وَلَا يَمَسَّهَا بَعْدَ مَوْتِهَا، لِأَنَّ المَوْتَ فُرْقَةٌ تُبِيحُ للرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، فَالمَوْتُ كَالطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى جَوَازِ تَوْدِيعِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا، لما روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: رَجَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعَاً فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهْ.
قَالَ: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ».
ثُمَّ قَالَ: «مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ؟».
قُلْتُ: لَكِنِّي أَوْ لَكَأَنِّي بِكَ، وَاللهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ.
قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.
وَلِأَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ غَسَّلَ السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وبناء على ذلك:
فَتَوْدِيعُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ الأَمْرُ جَائِزٌ، خِلَافَاً للسَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.