الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَشَجَرَةُ جَوْزَةِ الطِّيبِ مَعْرُوفَةٌ مُنْذُ زَمَانٍ قَدِيمٍ، وَتُسْتَخْدَمُ ثَمَرَتُهَا كَنَوْعٍ مِنَ البِهَارَاتِ التي تُعْطِي للآكِلِ رَائِحَةً زَكِيَّةً، وَلَهَا تَأْثِيرٌ عَلَى آكِلِهَا كَتَأْثِيرِ الحَشِيشِ، وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ القَلِيلِ مِنْهَا وَالكَثِيرِ.
جَاءَ في الدُّرِّ المُخْتَارِ، وَحَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: وَمِثْلُ الْحَشِيشَةِ فِي الْحُرْمَةِ جَوْزَةُ الطِّيبِ، فَقَدْ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِحُرْمَتِهَا.
وَجَاءَ في حَاشِيَةِ الطَّحْطَاوِيِّ عَلَى مَرَاقِي الفَلَاحِ: وَنُقِلَ أَنَّ جَوْزَةَ الطِّيبِ تَحْرُمُ، لَكِنْ دُونَ حُرْمَةِ الحَشِيشَةِ، وَصَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ المَكِّيِّ بِتَحْرِيمِ جَوْزَةِ الطِّيبِ بِإِجْمَاعِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ.
وبناء على ذلك:
فَجَوْزَةُ الطِّيبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا، لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ، وَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ إلى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ القَلِيلِ مِنْ جَوْزَةِ الطِّيبِ لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ وَالكَعْكِ وَنَحْوِهِ، وَيَحْرُمُ الكَثِيرُ، لِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ.
وَأَنَا أَقُولُ: الأَحْوَطُ هُوَ القَوْلُ بِمَنْعِهَا، وَلَو كَانَتْ مَخْلُوطَةً مَعَ غَيْرِهَا وَبِنِسْبَةٍ قَلِيلَةٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» رواه الترمذي وغيره عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. هذا، والله تعالى أعلم.