الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: البَدْءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَمِنَ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى إِنْسَانٍ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ أَوْ حَال بَيْنَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَالِثَاً وَرَابِعَاً وَأَكْثَرَ سَلَّمَ عِنْدَ كُل لِقَاءٍ وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ.
قَالَ: اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ».
فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثَلَاثَاً. رواه الإمام البخاري.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ» رواه أبو داود.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَ أَصْحَابُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَمَاشَوْنَ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَتْهُمْ شَجَرَةٌ أَوْ أَكَمَةٌ فَتَفَرَّقُوا يَمِينَاً وَشِمَالَاً ثُمَّ الْتَقَوْا مِنْ وَرَائِهَا سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. رواه ابن السني.
وَمِنَ السُّنَّةِ إِذَا قَامَ شَخْصٌ مِنَ المَجْلِسِ وَأَرَادَ فِرَاقَ الجَالِسِينَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ.
وَوَرَدَ عِنْدَ البَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اصْطَحَبَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ فَحَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرٌ وَحَجَرٌ وَمَدَرٌ فَلْيُسَلِّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخِرِ، وَيَتَبَادَلَانِ السَّلَامَ».
وبناء على ذلك:
فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِعَادَةُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ تَكَرَّرَ لِقَاؤُهُ وَلَو مِنْ قَرِيبٍ، وَكَذَا إِذَا حَالَ جِذْعُ شَجَرَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَلْيُسَلِّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إِفْشَاءِ السَّلَامِ الذي هُوَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ التَّحَابُبِ، وَسَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.