الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ مِنَ الكَبَائِرِ العَظِيمَةِ، وَمَا جَاءَ هَذَا الـتَّشْرِيعُ العَظِيمُ إلَّا مِنْ أَجْلِ التَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ وَخَاصَّةً بَيْنَ الأَرْحَامِ، وَالْتِزَامِ الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، وَتَصْحِيحِ الصِّلَةِ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ، وَتَصْحِيحِ العَلَاقَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الآخَرِينَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَمِنْ تَمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ وَصَالِحِهَا صِلَةُ الأَرْحَامِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾.
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ».
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.
ثانياً: لَيْسَ للزَّوْجِ أَنْ يَتَدَخَّلَ في شُؤُونِ زَوْجَتِهِ المَالِيَّةِ، إِلَّا إِذَا تَعَدَّتْ حُدُودَ اللهِ تعالى، فَإِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مُتَسَامِحَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَهْلِهَا في التَّرِكَةِ فَمَا عَلَاقَةُ الزَّوْجِ في ذَلِكَ؟
وبناء على ذلك:
فَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ صِلَةِ أَرْحَامِهَا مِنْ أَجْلِ حُطَامِ الدُّنْيَا الزَّائِلِ، مِمَّا لَا يُغْنِي عِنْدَ اللهِ شَيْئَاً يَوْمَ القِيَامَةِ، لِأَنَّهُ مَنْ مَنْعَ زَوْجَتَهُ مِنْ صِلَةِ أَرْحَامِهَا يَكُونُ سَبَبَاً لِنَزْغِ الشَّيْطَانِ، وَإِيقَاعِ العَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ بَيْنَ الأَرْحَامِ، وَهَذِهِ مِنَ الكَبَائِرِ التي حَذَّرَ مِنْهَا شَرْعُنَا الحَنِيفُ.
وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَلَو كَانَتْ هُنَاكَ أَسْبَابٌ مُعْتَبَرَةٌ للقَطِيعَةِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلَاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ.
فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».
فَيَا أَيُّهَا الزَّوْجُ، هَلْ هَذِهِ الأَخْلَاقُ التي أَنْتَ عَلَيْهَا مِنَ الإِسْلَامِ في شَيْءٍ، أَمَا تَزَوَّجْتَ عَلَى الدِّينِ وَالخُلُقِ؟ فَهَلْ دِينُكَ وَأَخْلَاقُكَ يَأْمُرَانِكَ بِأَنْ تَأْمُرَ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ مِنْ أَجْلِ حُطَامِ الدُّنْيَا؟ رَحِمَ اللهُ عَبْدَاً عَرَفَ حَدَّهُ فَوَقَفَ عِنْدَهُ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |