الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: تَطَيُّبُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا مَطْلُوبٌ شَرْعَاً وَمُحَبَّبٌ، لِأَنَّ تَطَيُّبَهَا لِزَوْجِهَا يُوَلِّدُ الأُلْفَةَ وَالمَحَبَّةَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مَا تَفَطَّنَتْ إِلَيْهِ المَرْأَةُ العَرَبِيَّةُ عِنْدَمَا أَوْصَتِ ابْنَتَهَا بِقَوْلِهَا: أَنْ لَا يَشَمَّ مِنْكِ إِلَّا كُلَّ طَيِّبٍ.
ثانياً: أَمَّا تَطَيُّبُ المَرْأَةِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنَ البَيْتِ، أَو في مَحَلٍّ فِيهِ رِجَالٌ أَجَانِبُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعَاً، وَجَاءَ فِيهِ إِنْذَارٌ شَدِيدٌ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ».
وفي رواية أبي داود قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَعْطَرَتِ المَرْأَةُ، فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا» قَالَ قَوْلَاً شَدِيدَاً.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَهِيَ زَانِيَةٌ»: يَعْنِي هِيَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مُتَعَرِّضَةٌ للزِّنَا، سَاعِيَةٌ في أَسْبَابِهِ، دَاعِيَةٌ إلى طُلَّابِهِ، فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ مَجَازَاً، وَرُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَيْهَا الشَّهْوَةُ فَوَقَعَ الزِّنَا الحَقِيقِيُّ، كَمَا قَالَ الإِمَامُ المَنَاوِيُّ في فَيْضِ القَدِيرِ.
وبناء على ذلك:
فَتَطَيُّبُ المَرْأَةِ لِزَوْجِهَا مَطْلُوبٌ شَرْعَاً، وَوَاجِبٌ عَلَيْهَا إِذَا أَمَرَهَا زَوْجُهَا بِذَلِكَ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ حَقِّهِ.
أَمَّا تَطَيُّبُهَا أَمَامَ الرِّجَالِ الأَجَانِبِ، وَعِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا فَهُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَهِيَ بِذَلِكَ سَاعِيَةٌ إلى الفَسَادِ وَالإِفْسَادِ، وَمُعَرِّضَةٌ نَفْسَهَا لِارْتِكَابِ الفَوَاحِشِ، مِنْ حَيْثُ تَدْرِي أَو لَا تَدْرِي ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ.
وَوَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ ذَلِكَ. هذا، والله تعالى أعلم.