الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَتَقْشِيرُ وَجْهِ المَرْأَةِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ طَرِيقِ العَمَلِيَّاتِ التَّجْمِيلِيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ طَرِيقِ الكريمات.
فَإِذَا كَانَ تَقْشِيرُ الوَجْهِ عَنْ طَرِيقِ العَمَلِيَّاتِ التَّجْمِيلِيَّةِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ العَمَلِيَّاتِ التَّجْمِيلِيَّةِ الضَّرُورِيَّةِ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ العَبَثِ وَاتِّبَاعِ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، وَفِيهِ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللهِ تعالى، وَهُوَ مِنْ تَزْيِينِ الشَّيَاطِينِ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْ إِبْلِيسَ اللَّعِينِ: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ﴾.
وَمَنْ قَصَدَ تَغْيِيرَ خَلْقِ اللهِ فَهُوَ مَشْمُولٌ بِاللَّعْنَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ؛ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ؟
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَنْ طَرِيقِ الكريمات أَو مُسْتَحْضَرَاتِ التَّجْمِيلِ وَنَحْوِهَا، فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ، إِذَا كَانَتِ المَوَادُّ طَاهِرَةً غَيْرَ نَجِسَةٍ، وَلَا تَضُرُّ بِبَشْرَةِ الوَجْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ.
وبناء على ذلك:
فَتَقْشِيرُ وَجْهِ المَرْأَةِ عَنْ طَرِيقِ العَمَلِيَّاتِ التَّجْمِيلِيَّةِ لَا يَجُوزُ شَرْعَاً، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ العَبَثِ؛ وَجَمَالُ المَرْأَةِ في أَخْلَاقِهَا، وَنَضَارَةُ وَجْهِهَا في المُحَافَظَةِ عَلَى وُضُوئِهَا.
وَعَلَى المَرْأَةِ أَنْ تَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللهُ تعالى لَهَا، وَمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، فَالسَّعِيدُ مَنِ انْشَغَلَ بِتَحْسِينِ أَخْلَاقِهِ، وَعِبَادَتِهِ، وَاسْتِقَامَتِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ عَنْ طَرِيقِ الكريماتِ بِشُرُوطِهِ المَذْكُورَةِ، فَلَا حَرَجَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.