الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾. فَاللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ تَحْرِيمَ تَأْدِيبٍ لِعِصْيَانِهِمْ للهِ تعالى، وَلِفِسْقِهِمْ، وَلِفُجُورِهِمْ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ للمُسْلِمِينَ فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، وفي قَوْلٍ للإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى إلى حِلِّ هَذِهِ الشُّحُومِ للمُسْلِمِينَ، وَبِدُونِ كَرَاهَةٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾. فَقَدْ أَحَلَّ اللهُ تعالى ذَبَائِحَ أَهْلِ الكِتَابِ، إِذَا ذُبِحَتْ بِالطَّرِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئَاً.
وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَصَبْتُ جِرَابَاً (وِعَاءً مِنْ جِلْدٍ) مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ.
قَالَ: فَالْتَزَمْتُهُ.
فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَدَاً مِنْ هَذَا شَيْئَاً.
قَالَ: فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَبَسِّمَاً.
وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ المَالِكِيَّةِ إلى تَحْرِيمِهَا عَلَى المُسْلِمِينَ، لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى أَبَاحَ لَنَا طَعَامَهُمْ، وَالشُّحُومُ المُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ لَيْسَتْ مِنْ طَعَامِهِمْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَشُحُومُ ذَبَائِحِ أَهْلِ الكِتَابِ حِلٌّ للمُسْلِمِينَ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، إِذَا ذُبِحَتْ ذَبْحَاً صَحِيحَاً، وَبِدُونِ كَرَاهَةٍ. هذا، والله تعالى أعلم.