الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَلَا يَجُوزُ إِسْقَاطُ الحَمْلِ سَوَاءٌ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ أَمْ لَمْ تُنْفَخْ، وَأَمَّا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فَتَحْرِيمُهُ أَشَدُّ، وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ، إِلَّا إِذَا كَانَ الحَمْلُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ يَضُرُّ بِالمَرْأَةِ الحَامِلِ، أَو كَانَتْ آخِذَةً دَوَاءً يَضُرُّ بِالحَمْلِ، وَكَانَ هَذَا بِنَاءً عَلَى رَأْيِ طَبِيبَةٍ مُسْلِمَةٍ فَيَجُوزُ إِسْقَاطُهُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ.
وَأَمَّا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فَلَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهُ مَهْمَا كَانَتِ الأَسْبَابُ. هذا أولاً.
ثانياً: طَلَاقُ المَرْأَةِ الحَامِلِ يَقَعُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وَإِذَا طُلِّقَتْ فَعِدَّتُهَا تَنْتَهِي عِنْدَمَا تَضَعُ حَمْلَهَا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا يَجُوزُ إِسْقَاطُ الحَمْلِ وَلَو كَانَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَإِذَا ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ تَمَّ الطَّلَاقُ، فَالطَّلَاقُ يَقَعُ عَلَيْهَا، وَعِدَّتُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَلَعَلَّ هَذَا الوَلَدَ يَكُونُ سَبَبَاً في سِرِّ سَعَادَةِ أُمِّهِ.
وَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ للمَرَّةِ الأُولَى وَمَرَّةً وَاحِدَةً فَرُبَّمَا أَنْ يَكُونَ هَذَا المَوْلُودُ سَبَبَاً للوِفَاقِ بَيْنَ الوَالِدَيْنِ، وَأَنْ تَرْجِعَ المَرْأَةُ إلى عِصْمَةِ زَوْجِهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا.
وَأَنَا أَنْصَحُ الزَّوْجَ أَنْ لَا يَتَعَجَّلَ في الطَّلَاقِ، وَأَنْ لَا يُلْزِمَ زَوْجَتَهُ بِإِسْقَاطِ الحَمْلِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.
وَكَمَا أَنْصَحُ الزَّوْجَةَ بِتَحْسِينِ أَخْلَاقِهَا وَسِيرَتِهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَأَنْ يَصْبِرا عَلَى بَعْضِهِمَا، وَأَنْ يَذْكُرَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرَاً﴾. فَالصَّبْرُ عَلَى بَعْضِهِمَا خَيْرٌ مِنَ الطَّلَاقِ. هذا، والله تعالى أعلم.