الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.
وَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ظَاهَرَ زَوْجَتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الكَفَّارَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الذي ذُكِرَ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ: الإِعْتَاقُ، ثُمَّ الصِّيَامُ، ثُمَّ الإِطْعَامُ؛ هذا أولاً.
ثانياً: اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في وُجُوبِ الكَفَّارَةِ عَلَى المَرْأَةِ إِذَا ظَاهَرَتْ مِنْ زَوْجِهَا، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ، وَالمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وفي رِوَايَةٍ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ، إلى عَدَمِ وُجُوبِ الكَفَّارَةِ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الظِّهَارِ مِنْهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾. وَالخِطَابُ مُوَجَّهٌ للرِّجَالِ وَلَيْسَ للنِّسَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّاتِي تُظَاهِرْنَ مِنْ أَزْوَاجِكُنَّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ.
وَذَكَرَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ بِأَنَّ الظِّهَارَ قَوْلٌ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ في الزَّوْجَةِ، وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ رَفْعَهُ، وَالمَرْأَةُ لَا تَمْلِكُ التَّحْرِيمَ بِالقَوْلِ كَالطَّلَاقِ.
وَهُنَاكَ قَوْلٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَالحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ بِأَنَّ مُظَاهَرَةَ المَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا يَقَعُ ظِهَارٌ، وَعَلَيْهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا قَالَتِ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي، لَا يَقَعُ ظِهَارَاً، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَيَكُونَ كَلَامُهَا لَهْوَاً لَا كَفَّارَةَ فِيهِ.
وفي رِوَايَةٍ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ تَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهِيَ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، فَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا تَمْلِكُ الإِطْعَامَ تَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. هذا، والله تعالى أعلم.