الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: ذَكَرَ الفُقَهَاءُ لِنِكَاحِ المُحَلِّلِ شُرُوطَاً:
1ـ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا الأَوَّلِ.
2ـ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ زَوَاجَاً صَحِيحَاً مُحَقِّقَاً شُرُوطَ النِّكَاحِ.
3ـ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ دُخُولَاً حَقِيقِيَّاً.
4ـ أَنْ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي بِاخْتِيَارِهِ.
5ـ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا الثَّانِي.
6ـ أَن يَعْقِدَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا الأَوَّلُ عَقْدَاً صَحِيحَاً مُسْتَوْفِيَاً الشُّرُوطَ.
ثانياً: إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ المُطَلَّقَةَ مِنْ زَوْجِهَا طَلَاقَاً بَائِنَاً بَيْنُونَةً كُبْرَى بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ في صُلْبِ العَقْدِ، فَهَذَا الزَّوَاجُ بَاطِلٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، للحَدِيثِ الذي رواه أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُحَلِّلَ، وَالمُحَلَّلَ لَهُ.
وَللحَدِيثِ الذي رواه ابن ماجه عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ المُسْتَعَارِ؟».
قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «هُوَ المُحَلِّلُ، لَعَنَ اللهُ المُحَلِّلَ، وَالمُحَلَّلَ لَهُ».
وَلِقَوْلِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إِلَّا رَجَمْتُهُمَا. رواه البيهقي
ثالثاً: أَمَّا إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ المُطَلَّقَةَ مِنْ زَوْجِهَا طَلَاقَاً بَائِنَاً بَيْنُونَةً كُبْرَى بِدُونِ شَرْطٍ في العَقْدِ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَلَكِنْ تَوَاطَأ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَدْ ذَهَبَ المَالِكِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ إلى بُطْلَانِ هَذَا النِّكَاحِ، وَلَا تَحِلُّ بِهِ المَرْأَةُ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ.
وَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلى أَنَّ هَذَا العَقْدَ صَحِيحٌ، وَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ، وَلَكِنْ لَيْسَ مُلْزِمَاً للزَّوْجِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالعَقْدُ صَحِيحٌ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطُ الطَّلَاقِ في صُلْبِ العَقْدِ، وَإِلَّا بَطَلَ العَقْدُ وَلَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا.
وَلَيْسَ صَحِيحَاً عِنْدَ المَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ.
وَأَنَا أُرَجِّحُ قَوْلَ المَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ وَبِهِ أُفْتِي، لِمَا رواه الإمام الحَاكم عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَاً، فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ، مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنْهُ، لِيُحِلَّهَا لِأَخِيهِ، هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟
قَالَ: لَا، الإِنْكَاحُ رَغْبَةٌ، كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحَاً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَاً، فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ، فَيُغْلَقُ البَابُ وَيُرْخَى السِّتْرُ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟
قَالَ: «لَا حَتَّى يَذُوقَ العُسَيْلَةَ». هذا، والله تعالى أعلم.