نحو أسرة مسلمة
171ـ صلة الأرحام من علامات الإيمان بالله وباليوم الآخر
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَنْ يَسْتَقِيمَ حَالُ بُيُوتُ المُسْلِمِينَ ، وَلَنْ تَتِمَّ الأُلْفَةُ وَالمَوَدَّةُ وَالمَحَبَّةُ إِلَّا بِالقِيَامِ بِحَقٍّ أَوْجَبَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، أَلَا وَهُوَ أَنْ يَتَّقُوهُ، وَأَنْ يَتَّقُوا اللهَ تعالى في الأَرْحَامِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالَاً كَثِيرَاً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الرَّحِمُ خَلَقَهَا الرَّحْمَنُ، وَاشْتَقَّ لَهَا اسْمَاً مِنَ اسْمِهِ، فَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَهِيَ الرَّحِمُ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ تعالى، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ تعالى، وَإِذَا قَطَعَ اللهُ تعالى عَبْدَاً فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حَالِهِ، فَهُوَ في ضَيْعَةٍ وَخَسَارَةٍ وَوَبَالٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ.
قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟
قَالَتْ: بَلَى.
قَالَ: فَذَاكِ لَكِ».
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾».
اتَّقُوا اللهَ تعالى في آبَاءِ وَأُمَّهَاتِ الأَزْوَاجِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الأَزْوَاجِ صِلَةُ الأَرْحَامِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاوَةِ الأَزْوَاجِ قَطِيعَةُ الأَرْحَامِ ؛ لَقَدْ فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى العَبْدِ المُؤْمِنِ وَالأَمَةِ المُؤْمِنَةِ أَنْ يَتَّقِيَا اللهَ تعالى في الرَّحِمِ.
فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ إِذَا أَرَادَ السَّعَادَةَ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَأَرَادَ أَنْ يُؤَلِّفَ اللهُ تعالى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَأَنْ يُسْعِدَهُ اللهُ تعالى في دُنيَاهُ وَآخِرَتِهِ، أَنْ يَحْفَظَ حَقَّ قَرَابَةِ زَوْجَتِهِ.
وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ إِذَا أَرَادَتِ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهَا الزَّوْجِيَّةِ، وَأَرَادَتْ أَنْ يُؤَلِّفَ اللهُ تعالى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَأَنْ يُسْعِدَهَا اللهُ تعالى في دُنيَاهَا وَآخِرَتِهَا، أَنْ تَحْفَظَ حَقَّ قَرَابَةِ زَوْجِهَا.
قَطِيعَةُ الرَّحِمِ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، فَاحْذَرْ أَيُّهَا الزَّوْجُ، وَاحْذَرِي أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، أَنْ يَكُونَ أَحَدُكُمَا سَبَبَاً لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.
لِمَاذَا يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ أَنْتَ حَرِيصٌ عَلَى قَطْعِ رَحِمِ أَهْلِ زَوْجَتِكَ؟ وَلِمَاذَا أَنْتِ يَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ حَرِيصَةٌ عَلَى قَطْعِ رَحِمِ أَهْلِ زَوْجِكِ؟
هَلْ نَسِيتُمَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾؟
صِلَةُ الأَرْحَامِ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ:
أَيُّهَا الأَزْوَاجُ: هَلْ تَذْكُرُونَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لَقَدْ جَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صِلَةَ الأَرْحَامِ عَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِ الإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، فَصِلَةُ الرَّحِمِ عَلَامَةٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِكَ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ، وَعَلَامَةٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِكِ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ يَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ؛ فَهَلْ أَنْتَ عَوْنٌ لِزَوْجَتِكَ عَلَى صِلَةِ رَحِمِهَا؟ وَهَلْ أَنْتِ عَوْنٌ لِزَوْجِكِ عَلَى صِلَةِ أَرْحَامِهِ؟
إِذَا كُنْتَ عَوْنَاً عَلَى صِلَةِ رَحِمِهَا وَصَلَكَ اللهُ تعالى، وَإِذَا كُنْتِ عَوْنَاً عَلَى صِلَةِ رَحِمِهِ وَصَلَكِ اللهُ تعالى، وَإِذَا وَصَلَكُمَا اللهُ تعالى سُعِدْتُمَا، وَإِلَّا لَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَشْقَى مِنْكُمَا، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقْطَعُ مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ، وَيَقْطَعُ كُلَّ مَنْ كَانَ سَبَبَاً في قَطْعِ الرَّحِمِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أُسَرُنَا اليَوْمَ قَدْ أَحَاطَ بِهَا الدَّمَارُ بِسَبَبِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَطِنَ لِهَذَا مَنْ فَطِنَ، وَتَجَاهَلَ هَذَا مَنْ تَجَاهَلَ؛ لَقَدْ أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنَ الأَزْوَاجِ سَبَبَاً في قَطِيعَةِ أَرْحَامِ الزَّوْجَةِ، كَمَا أَصْبَحَتْ كَثِيرٌ مِنَ الزَّوْجَاتِ سَبَبَاً في قَطِيعَةِ أَرْحَامِ الزَّوْجِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْعَى كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، كَيْفَ تَتَحَقَّقُ السَّعَادَةُ لِمَنْ قَطَعَهُمُ اللهُ تعالى؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا عَوْنَاً عَلَى صِلَةِ الأَرْحَامِ، فَيَا أَيُّهَا الزَّوْجُ، كُنْ عَوْنَاً لِزَوْجَتِكَ عَلَى صِلَةِ رَحِمِهَا، وَيَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، كُونِي عَوْنَاً لِزَوْجِكِ عَلَى صِلَةِ رَحِمِهِ، حَتَّى يَصِلَكُمَا اللهُ تعالى، وَتَذَكَّرَا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾. وَمِنَ البِرِّ وَالتَّقْوَى صِلَةُ الأَرْحَامِ ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. وَمِنَ الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ تَقْطِيعُ الأَرْحَامِ، وَالأَمْرُ بِهِ.
أَجَارَنَا اللهُ تعالى وَإِيَّاكُمْ مِنْ ذَلِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
** ** **
تاريخ الكلمة:
الأحد: 26/ رجب /1438هـ، الموافق: 23/ نيسان / 2017م
اضافة تعليق |
لِتَحْقِيقِ السَّعَادَةِ في حَيَاتِنَا الأُسَرِيَّةِ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تَعَامُلَاً صَحِيحَاً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتِّلَاوَةِ مَعَ التَّدَبُّرِ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ... المزيد
كُلَّمَا تَذَكَّرْنَا يَوْمَ الحِسَابِ، يَوْمَ العَرْضِ عَلَى اللهِ تعالى، يَوْمَ نَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً، وَكُلَّمَا تَذَكَّرْنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَنَعِيمَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعَذَابَ أَهْلِ النَّارِ، ... المزيد
صَلَاحُ أُسَرِنَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا عَرَفَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الغَايَةَ مِنْ وُجُودِهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ الكَثِيرُ مِنَ الأَزْوَاجِ مِمَّنْ دَخَلَ الدُّنْيَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ... المزيد
القُرْآنُ العَظِيمُ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاصْطَفَانَا لِوِرَاثَتِهِ هُوَ مَصْدَرُ سَعَادَتِنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَعَلَيْهِ ... المزيد
إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاءِ البُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الخِلَافَاتِ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، المَعَاصِيَ وَالمُنْكَرَاتِ، التي تُنَكِّسُ الرُّؤُوسَ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، وَالتي تُسْلِمُ إلى مُقَاسَاةِ العَذَابِ الأَلِيمِ في الدُّنْيَا قَبْلَ ... المزيد
سِرُّ سَعَادَتِنَا في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَحَوُّلِنَا مِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ هِدَايَتِنَا مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى القُرْآنُ العَظِيمُ، وَسِرُّ تَمَاسُكِ أُسَرِنَا ... المزيد