8 ـ الشيخ أحمد الشماع رَحِمَهُ اللهُ تعالى

8 ـ الشيخ أحمد الشماع رَحِمَهُ اللهُ تعالى

8 ـ الشيخ أحمد الشماع رَحِمَهُ اللهُ تعالى

1290/1373هـ 1873/1953م

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

هُوَ الشَّيْخُ التَّقِيُّ العَالِمُ العَامِلُ الفَقِيهُ الحَنَفِيُّ المُفَسِّرُ أَحْمَدُ بْنُ الشَّيْخِ العَالِمِ مُحَمَّد بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الشَّمَاعِ الحَلَبِيِّ الرِّفَاعِيِّ الحَنَفِيِّ.

وُلِدَ في حَلَبَ لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ الثَّالِثَ مِنْ صَفَرَ 1290هـ المُوَافِق للأَوَّلْ مِنْ شَهْرِ نَيْسَان 1873م؛ نَشَأَ في أُسْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ مُتَدَيِّنَةٍ مُحِبَّةٍ للعِلْمِ وَالعُلَمَاءِ، حَفِظَ القُرْآنَ في سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ عَلَى يَدِ وَالِدِهِ ثُمَّ اتَّجَهَ إلى طَلَبِ العِلْمِ، وَسَبَبُ تَوَجُّهِهِ إلى طَلَبِ العِلْمِ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ مَعَ أَخْوَالِهِ في حِرْفَةِ السَّنْكَرَةِ، فَمَرَّ بِهِ وَالِدُهُ يَوْمَاً وَهَمَسَ في أُذُنِهِ: أَرَغِبْتَ عَنْ طَلَبِ العِلْمِ إلى حِرْفَةِ السَّنْكَرَةِ يَا أَحْمَدُ؟ فَتَأَثَّرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ مِنْ نَصِيحَةِ وَالِدِهِ فَتَرَكَ العَمَلَ مَعَ أَخْوَالِهِ وَاتَّجَهَ إلى طَلَبِ العِلْمِ، وَانْكَبَّ عَلَى تَحْصِيلِهِ لَيْلَاً نَهَارَاً، وَكَانَ عُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ لَا يُفَوِّتُ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَو نَهَارٍ إِلَّا في طَلَبِ العِلْمِ، حَتَّى أَصْبَحَ عَالِمَاً يُشَارُ إِلَيْهِ بِالبَنَانِ.

مِنْ أَبْرَزِ شُيُوخِهِ وَالِدُهُ، وَالشَّيْخُ الجَلِيلُ أَحْمَد المَكْتَبِيُّ الكَبِيرُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، الذي تَأَثَّرَ بِهِ كَثِيرَاً وَاسْتَفَادَ مِنْ عِلْمِهِ الغَزِيرِ، وَلَا سِيَّمَا في عُلُومِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ؛ وَمِنْ شُيُوخِهِ أَيْضَاً الشَّيْخُ العَلَّامَةُ بَكْرِي بْنُ أَحْمَد الزُّبَرِيُّ مُفْتِي حَلَبَ، والذي أَجَازَهُ بِمَا أُجِيزَ مِنْ شُيُوخِهِ.

أَمَّا أَقْرَانُهُ فَقَدْ عَاصَرَ الشَّيْخُ نُخْبَةً مِنَ العُلَمَاءِ الأَجِلَّاءِ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ مُحَمَّد سَعِيد الإِدْلِبِيِّ، وَعَالِمُ حَلَبَ الشَّيْخُ المُحَدِّثُ مُحَمَّدْ نَجِيبُ سِرَاجُ الدِّينِ، وَالشَّيْخُ الفَرَضِيُّ عَبْدُ اللهِ المُعْطِي، وَالشَّيْخُ الفَقِيهُ أَحْمَد الكُرْدِيُّ أَمِينُ فَتْوَى حَلَبَ، وَالشَّيْخُ التَّقِيُّ إِبْرَاهِيم السَّلْقِينِيُّ الجَدُّ، وَالشَّيْخُ الصَّالِحُ عِيسَى البَيَانُونِيُّ، وَالشَّيْخُ الفَقِيهُ أَحْمَد الزَّرْقَا، وغَيْرُهُمْ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى.

أَمَّا تَلَامِيذُهُ فَقَدْ تَتَلْمَذَ عَلَيْهِ وَتَخَرَّجَ عَلَى يَدَيْهِ في المَدرَسَةِ الخُسْرُوِيَّةِ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ كبَارِ العُلَمَاءِ المُعَاصِرِينَ، مِنْهُمُ الشَّيْخُ العَالِمُ مُحَمَّد الحَامِد الحَمْوِيُّ، وَالشَّيْخُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ، وَالشَّيْخُ الفَقِيهُ اللُّغَوِيُّ أَحْمَد القَلَّاش، وَالدُّكْتُور الفَقِيهُ مُحَمَّد فَوْزِي فَيْضُ اللهِ، وَالعَالِمُ المُحَدِّثُ عَبْدُ الفَتَّاح أَبُو غُدَّة، وَالعَلَّامَةُ الفَقِيهُ مُحَمَّد المَلَّاحِ، وَالعَالِمُ الكَبِيرُ الفَقِيهُ مُصْطَفَى الزَّرَقَا، وَشَيْخُ حَلَبَ العَالِمُ الفَرَضِيُّ وَالمُقْرِئُ مُحَمَّد نَجِيب خَيَّاطَة، وَأَخَوَاهُ الشَّيْخُ الطَّبِيبُ عُمَر خَيَّاطَة، وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَن خَيَّاطَة، وَالشَّيْخُ العَالِمُ الصَّالحُ أَحْمَدُ الإِدْلِبِيُّ، وَرَجُلُ السِّيَاسَةِ وَالقَانُونِ الفَقِيهُ الأُصُولِيُّ مُحَمَّد مَعْرُوفُ الدَّوَالِيبِيُّ، وَالشَّيْخُ الفَقِيهُ مُحَمَّد الغَشِيمُ، وَالشَّيْخُ العَالِمُ عَبْدُ الوَهَّاب سُكَّر، وَالشَّيْخُ الفَقِيهُ مُحَمَّد عُثْمَان بِلَال مُفْتِي حَلَبَ، وَالشَّيْخُ العَالِمُ الفَاضِلُ مُحَمَّد أَدِيب حَسُّون، وَالشَّيْخُ الشَّاعِرُ بَكْرِي رَجَب، وَالشَّيْخُ مُصْطَفَى مِزْرَابِ، وَالشَّيْخُ العَالِمُ القَارِئُ الخَطِيبُ طَاهِر خَيْرُ اللهِ، وَالشَّيْخُ المُحَدِّثْ النَّسَّابَةُ مُحَمَّد زَيْنُ العَابِدِينَ الجَذْبَة، وَالشَّيْخُ العَالِمُ العَابِدُ الزَّاهِدُ مُحَمَّد الحَجَّار، وَغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى جَمِيعَاً.

عَمِلَ الشَّيْخُ أَحْمَد إِمَامَاً في مَسْجِدِ العَطَّارِينَ، وَمَسْجِدِ الدِّيرِي، وَخَطِيبَاً في مَسْجِدِ الحَدَّادِينَ، وَمُدَرِّسَاً في الجَامِعِ الأُمَوِيِّ، بِالإِضَافَةِ إلى عَمَلِهِ في الخُسْرُوِيَّةِ مُدَرِّسَاً لِمَادَّةِ التَّفْسِيرِ، وَكَانَ في آخِرِ حَيَاتِهِ يَسْتَقْبِلُ طُلَّابَهُ بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ وَخَاصَّةً يَوْمَ الجُمُعَةِ.

كَانَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الشَّمَّاع وَرِعَاً زَاهِدَاً مُتَوَاضِعَاً كَرِيمَاً سَخِيَّاً، وَكَانَ يُمَازِحُ أَهْلَهُ وَيَبْتَسِمُ في وَجْهِ مَنْ يَلْقَاهُ، وَكَانَ كَثِيرَ القِيَامِ في اللَّيْلِ، كَثِيرَ القِرَاءَةِ وَالمُطَالَعَةِ في كُتُبِ العِلْمِ، وَكَانَ إِذَا اسْتَعْصَى عَلَيْهِ فَهْمُ شَيءٍ (مَا) قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَدْعُو اللهَ وَيَبْكِي وَيَتَوَسَّلُ إلى أَنْ يَفَتْحَ اللهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَذْكُرُ اللهَ كَثِيرَاً، خُصُوصَاً بَعْدَ صَلَاةِ الـعَصْرِ حَتَّى المَغْرِبِ.

لَمْ يَتْرُكْ لَنَا الشَّيْخُ أَحْمَد كُتُبَاً مِنْ تَأْلِيفِهِ، بَلْ أَلَّفَ رِجَالَاً لِاشْتِغَالِهِ بِالعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَقَدْ جُمِعَتْ خُطَبُهُ في مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ، وَهِيَ جَاهِزَةٌ للطِّبَاعَةِ وَمَوْجُودَةٌ عِنْدَ أَوْلَادِهِ، كَانَ الشَّيْخُ أَحْمَد يُوصِي أَبْنَاءَهُ بِالتَّقْوَى وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي لَا أُسَامِحُ أَحَدَاً مِنْكُمْ يَعِيشُ في كَنَفِي إِذَا لَمْ يُؤَدِّ الصَّلَاةَ المَفْرُوضَةَ عَلَيْهِ؛ وَكَانَ يَقُولُ: زَلَّةُ الجَاهِلِ يَسْتُرُهَا الجَهْلُ، وَزَلَّةُ العَالِمِ يُضْرَبُ عَلَيْهَا بِالطَّبْلِ؛ وَيَقُولُ: تُعَمِّرُونَ القُصُورَ وَتَنْسَوْنَ القبُورَ، وَتَعَظِّمُونَ المَخْلُوقَ وَتَنْسَوْنَ الخَالِقَ.

عَاشَ الشَّيْخُ أَحْمَد الشَّمَّاع بِالعِلْمِ وَللعِلْمِ حَتَّى آخِرَ حَيَاتِهِ، حَيْثُ فَارَقَ الحَيَاةَ مَأْسُوفَاً عَلَيْهِ مِنَ الجَمِيعِ، وَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ؛ عَلَيْهَا حَيِيتُ، وَعَليْهَا أَمُوتَ، وَعَلَيْهَا أُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَجَعَلَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى فَارَقَ الحَيَاةَ، وَذَلِكَ في يَوْمِ الأَرْبِعَاءِ الحَادِي عَـشَرَ مِنْ رَبِيعِ الأَوَّلِ 1373هـ الموافق 12 تشرين الثَّانِي 1953م وكَانَتْ جِنَازَتُهُ مَشْهُودَةً؛ وَدُفِنَ في مَقْبَرَةِ الصَّالِحِينَ بِحَلَبَ بِقُرْبِ أَخِيهِ وَصَدِيقِهِ الشَّيْخِ مُحَمَّد سَعِيد الإِدْلِبِيِّ، فَرَثَاهُ العُلَمَاءُ وَالمُحِبُّونَ بِأَشْعَارِهِمْ مُعَبِّرِينَ عَنْ إِجْلَالِهِم للشَّيْخِ أَحْمَد وَمُعْتَرِفِينَ بِفَضْلِهِ وَعِلْمِهِ؛ رَحِمَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً وَاسِعَةً وَسَائِرَ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ.

وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 17/ ربيع الثاني /1439هـ، الموافق: 4/ كانون الثاني / 2018م

 2020-01-12
 1107
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  باب التراجم

16-01-2020 3266 مشاهدة
24ـ الإمام مالك وكتابه الموطأ

الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى كَانَ مِنْ سِمَاتِهِ أَنَّهُ يُجِيبُ عَمَّا يَقَعُ، وَكَانَ تَلَامِيذُهُ يَجْتَهِدُونَ أَحْيَانَاً أَنْ يَحْمِلُوهُ عَلَى الإِجَابَةِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تَقَعْ، فَلَا يُطَاوِعُهُمْ، وَلَا يُسَاقُ وَرَاءَ ... المزيد

 16-01-2020
 
 3266
16-01-2020 1390 مشاهدة
23ـ ترجمة الإمام مالك رَحِمَهُ اللهُ تعالى

مَالِكٌ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ نِسْبَةً إلَى ذِي أَصْبَحَ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ. وُلِدَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ ... المزيد

 16-01-2020
 
 1390
16-01-2020 8171 مشاهدة
22- الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ تعالى

فَلَقَد رَأَيْتُ لِزَامَاً عَلَيَّ بَعْدَ أَنْ أَكْرَمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِقِرَاءَةِ كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ للإِمَامِ الجَلِيلِ، وَالعَارِفِ بِاللهِ تعالى، التَّقِيِّ النَّقِيِّ الصَّالِحِ المُخْلِصِ المُخْلَصِ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ ... المزيد

 16-01-2020
 
 8171
14-01-2020 1258 مشاهدة
21ـ الشيخ جميل العقاد رَحِمَهُ اللهُ تعالى (1)

هُوَ الشَّيْخُ جَمِيل بْنُ الشَّيْخِ مُحَمَّد ياسين العَقَّاد، وُلِدَ في حَيِّ الجَلُّومِ بِمَدِينَةِ حَلَبَ، مِنْ أَبَوَيْنِ كَرِيمَيْنِ وَأُسْرَةٍ ذَاتِ عِلْمٍ وَدِينٍ، فَقَدْ كَانَ وَالِدُهُ الشَّيْخُ مُحَمَّد يَاسِين إِمَامَاً وَخَطِيبَاً ... المزيد

 14-01-2020
 
 1258
14-01-2020 2236 مشاهدة
20ـ الشيخ محمد نجيب خياطة رَحِمَهُ اللهُ تعالى

هُوَ الشَّيْخُ مُحَمَّد نَجِيب بْنُ مُحَمَّد بْنِ مُحَمَّد بْنِ عُمَر خَيَّاطَة الشَّهِيرُ بِآلا، وُلِدَ في حَيِّ الجَلُّومِ بِمَدِينَةِ حَلَبَ في شَهْرِ رَمَضَانَ عَامَ 1321هـ الموافق 1905م؛ لَمْ يَكُنْ وَالِدُهُ عَالِمَاً، لَكِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ ... المزيد

 14-01-2020
 
 2236
14-01-2020 1701 مشاهدة
19ـ الشيخ أحمد المكتبي الكبير رَحِمَهُ اللهُ تعالى

هُوَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ ابْنُ الحَاجِّ مُصْطَفى بْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ الشَّيْخِ مُحَمَّد الشَّهِيرِ بِالمَكْتَبِيِّ، العَالِمُ العَامِلُ وَالجَهْبَذُ الكَامِلُ، المُحَدِّثُ النَّحْوِيُّ الأُصُولِيُّ، ... المزيد

 14-01-2020
 
 1701

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5676
المقالات 3208
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 18
الزوار 422536006
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :