الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:
خلاصة الخطبة الماضية:
لقد ذكرت لكم في الأسبوع الماضي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح: (إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) رواه مسلم.
وقلت: يجب علينا أن نعظِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق التعظيم، وأن نوقِّره حق التوقير، وأن نعزِّره حق التعزير، لأن هذا من حقه صلى الله عليه وسلم علينا، وما شرعه الله تعالى لنا معاذ الله أن يوصلنا إلى الشرك.
وإن كان البعض يخاف على الأمة أن تشرك بالله إن عظَّمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقول لهم: لقد أخطأتم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخاف على الأمة أن تشرك بالله تعالى بسبب تعظيمهم له صلى الله عليه وسلم، وما يخاف عليهم أن يفتنوا به صلى الله عليه وسلم.
جمال النبي صلى الله عليه وسلم محاط بالجلال:
أيها الإخوة الكرام: لن تفتن هذه الأمة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما أعطي من جمال وكمال ظاهري وباطني، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيضَ مُشْرَباً بياضه بحمرة، وكان أسود الحدقة، أهدب الأشفار، أغرَّ، أبلج، أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خَلْقَاً وخُلُقَاً.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة الأرامل
ومع هذا فإنا لم نسمع ولم نقرأ بأن أحداً من النساء اللاتي رأينه صلى الله عليه وسلم فتنَّ به، ولا قطَّعن أيديهن، مع أنه صلى الله عليه وسلم حوى الجمال كله والكمال كله، ولم يكن في الخلق أجمل منه، ولا أكمل كما جاء في شمائله صلى الله عليه وسلم.
بينما سيدنا يوسف عليه السلام أعطي شطر الحسن، فلما رآه النسوة في قصر امرأة العزيز، ذُهلن عن أنفسهن وغبن عن إحساسهن وتهن بجماله عليه السلام {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيم}.
لقد فتن النساء بسيدنا يوسف عليه السلام مع أنه أعطي شطر الحسن، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد أعطي الحسن كله وما فتن أحد به صلى الله عليه وسلم، وذلك لحفظ الله تعالى له صلى الله عليه وسلم، ولأنه تعالى كسا جماله صلى الله عليه وسلم بالجلال، ولولا ذلك لفُعل به صلى الله عليه وسلم أكثر مما فُعِل بسيدنا يوسف عليه السلام.
جمال مكسو بالجلال فما كان أحد يطيق أن ينظر إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هيبة وإجلالاً له صلى الله عليه وسلم، كما جاء في صحيح مسلم عن عَمْرَو بنَ العَاصِ رضي الله عنه قال: (وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلالاً لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم).
وهذا شأن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، حيث كانوا إذا جالسوه صلى الله عليه وسلم لم يرفعوا رؤوسهم نحوه، ولم يحدُّوا النظر إليه، هيبة وإجلالاً وتعظيماً.
لذلك قلنا جماله صلى الله عليه وسلم محاط بالجلال فلن يفتن أحد به صلى الله عليه وسلم.
إحاطة معجزاته صلى الله عليه وسلم بالحفظ والأمان:
أيها الإخوة: أمر آخر نذكره، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكرمه الله تعالى بمعجزات وخوارق ما لا تحتمله العقول، وقد رآها أصحابه الكرام رضي الله عنهم، وسمعها أتباعه إلى يومنا هذا، وهي ستنقل إلى من بعدنا إلى قيام الساعة، ومع ذلك ما سمعنا وما قرأنا بأن واحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو التابعين إلى يومنا هذا فتن به صلى الله عليه وسلم أو عبده من دون الله عز وجل، معاذ الله.
تنوَّعت معجزاته، حنَّ الجذع إليه، وانشقَّ القمر بإشارة من أصبعيه، وأخبرته الشاة المذبوحة بأنها مسمومة، وأخبرته شاة أخرى بأنها ذبحت بغير إذن أهلها، ونبع الماء فاض من بين أصابعه الشريفة، وأُسريَ به إلى المسجد الأقصى، وعُرِجَ به إلى السماوات العلى، إلى ما هنالك من المعجزات، وما أحد فتن به صلى الله عليه وسلم، وما أحد عبده من دون الله، فلما الخوف من تعظيم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لقد أحاط الله معجزاته بسياج الحفظ والأمانة فلم يخطر ببال واحد من أصحابه أو التابعين أو تابعيهم إلى يومنا هذا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إله أو ابن إله.
أما سيدنا عيسى عليه السلام فقد أعطي من المعجزات ما هو أقل من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فعبده النصارى وادعوا أنه إله، وابن إله، وثالث ثلاثة.
حفظ الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبده أحد:
أما الأمر الثالث الذي أقوله في هذه الخطبة هو: أن الله تعالى صان النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبده أحد، أو أن يتخذَّه نداً لله تعالى، أو أن يدَّعي أحد أنه إله أو ابن إله أو شريك مع الله تعالى.
لأن الأمة قد رسخ في قلبها بأن النبي صلى الله عليه وسلم عبد لله تعالى، وأنه ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد، وهذا ما تحفظه الأمة من خلال القرآن الكريم الذي ركز على هذا وخاصة في أعظم معجزتين، الأولى الإسراء، والثانية المعراج، فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير}. وقال تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}.
وهذا ما تحفظه الأمة من خلال الأحاديث الشريفة من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إني عبد الله ورسوله). وقوله: (إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) رواه البزار في مسنده. وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ) رواه ابن ماجه.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
وأخيراً أيها الإخوة الكرام: فإن الأمة بإذن الله تعالى لن تشرك بالله شيئاً بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب تعظيمها للحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، لأن جماله محاط بالجلال، ولأن معجزاته محاطة بالحفظ والأمان، ولأن الله تعالى صان النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبده أحد من هذه الأمة، لأننا ما سمعنا وما قرأنا عمن شاهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن بأنه عبده من دون الله عز وجل، أو جعله نداً لله تعالى، أو وصفه بغير صفة العبودية، لا من رجال هذه الأمة ولا من نسائها، ولن نسمع بإذن الله تعالى عن هذه الأمة في حق نبيها صلى الله عليه وسلم إلا ما يرضي الله عز وجل.
ومع كيفية تعظيم هذا الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم في الأسبوع القادم إن أحيانا الله عز وجل.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.
** ** **
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد
لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد
مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد
العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد
لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد
العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ ... المزيد