914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب﴾.

سَلْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، هَلْ أَنْتَ مُصْلِحٌ؟ هَلْ يَنْطَبِقُ عَلَيْكَ اسْمُ الإِصْلَاحِ؟ هَلْ أَنْتَ مِنْ عِدَادِ المُصْلِحِينَ؟ هَلْ سَيَذْكُرُكَ التَّارِيخُ أَنَّكَ كُنْتَ مُصْلِحًا؟ هَلْ أَنْتَ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللهِ تعالى مِنَ المُصْلِحِينَ؟ هَلْ أَنْتَ مُصْلِحٌ وِفْقَ المَنْهَجِ الذي جَاءَ بهِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ كَمْ وَكَمْ مِن أُنَاسٍ يَظُنُّ الوَاحِدُ مِنْهُم أَنَّهُ مُصْلِحٌ وَهُوَ في الحَقِيقَةِ مُفْسِدٌ؟ لِأَنَّهُ ضَلَّ عَن نَهْجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْـمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لَا يَشْعُرُون﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَتَأَكَّدَ مِن أَنَّهُ في قَوْلِهِ مُصْلِحٌ، وَأَنْ يَتَأَكَّدَ مِن أَنَّهُ في فِعْلِهِ مُصْلِحٌ، وَأَنْ يَتَأَكَّدَ مِن أَنَّهُ في نِيَّتِهِ مُصْلِحٌ، وَذَلِكَ بِعَرْضِ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَنِيَّتِهِ عَلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِاسْتِحْضَارِ وُقُوفِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِاسْتِحْضَارِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون * لِيَوْمٍ عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين﴾.

مَحَلُّ الإِصْلَاحِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: سَلُوا أَنْفُسَكُم مَا هُوَ مَحَلُّ الإِصْلَاحِ؟ وَأَيْنَ يَكُونُ الإِصْلَاحُ؟ وَحَتَّى لَا نُتْعِبَ أَنْفُسَنَا بالبَحْثِ عَنِ الجَوَابِ، وَحَتَّى لَا نَضِلَّ الطَّرِيقَ، عَلَيْنَا أَنْ نَرْجِعَ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ يُبيِّنُ لَنَا مَحَلَّ الإِصْلَاحِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي».

إِصْلَاحُ الدِّينِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُصْلِحَ دِينَنَا الذي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ اثْنَيْنِ:

الأَوَّلُ: التَّوْثِيقُ، لَا تُطْلِقُوا أَحْكَامَ الحَلَالِ وَالحَرَامِ بِدُونِ عِلْمٍ وَبِدُونِ تَوْثِيقٍ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلَالٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُون﴾. إِذَا كُنْتُم لَا تَعْلَمُونَ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكرِ مِن أَهْلِ التَّوْثِيقِ، قَالَ تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾.

وَتَذَكَّرُوا قَبْلَ إِطْلَاقِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنِ الْـمُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

الثَّاني: التَّطْبِيقُ، لِأَنَّ العِلْمَ المُوَثَّقَ بِدُونِ تَطْبِيقٍ يَكُونُ حُجَّةً على العَبْدِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. عِلْمٌ مُوَثَّقٌ بِلَا عَمَلٍ جُنُونٌ، وَسَبَبٌ للطَّرْدِ وَاللَّعْنِ ـ وَالعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ قَالَ تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: صَلَاحُ الدِّينِ يَكُونُ بِالتَّوْثِيقِ وَالتَّطْبِيقِ، فَتَوْثِيقٌ بِلَا تَطْبِيقٍ حُجَّةٌ على العَبْدِ، وَتَطْبِيقٌ بِلَا تَوْثِيقٍ ضَيَاعٌ وَدَمَارٌ وَفَسَادٌ، وَالنِّيَّةُ الصَّالِحَةُ لِمَنْ طَبَّقَ بِدُونِ تَوْثِيقٍ لا تَشْفَعُ لَهُ عِنْدَ اللهِ تعالى، لِأَنَّ الحَقَّ لا يُنَصَّفُ، وَلا يَنْفَصِمُ، فلا بُدَّ مِن التَّوْثِيقِ وَالتَّطْبِيقِ حَتَّى يَصْلُحَ دِينُنَا.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا وَدُنْيَانَا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 9/ ذو القعدة /1445هـ، الموافق: 17/ أيار / 2024م

 2024-05-17
 2400
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

07-09-2024 43 مشاهدة
925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد

 07-09-2024
 
 43
29-08-2024 289 مشاهدة
924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ ... المزيد

 29-08-2024
 
 289
23-08-2024 324 مشاهدة
923ـ خطبة الجمعة: أثر الصدق والحكمة بين الراعي والرعية

مَا زَالَ حَدِيثِي يَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ في الأُمَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِسَلَامَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 23-08-2024
 
 324
15-08-2024 596 مشاهدة
922ـ خطبة الجمعة: أيها الراعي كن مضرب مثل في سلامة الصدر

سَلَامَةُ العَلَاقَةِ بَيْنَ كُلِّ رَاعٍ وَرَعِيَّتِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَاسُكِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِحُسْنِ أَخْلَاقِ الرِّاعِي مَعَ رَعِيَّتِهِ، مَعَ سَلَامَةِ طَوِيَّتِهِ وَحُبِّهِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 596
08-08-2024 658 مشاهدة
921ـ خطبة الجمعة: سلامة قلب الراعي

أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَعِيَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، لِأَقُولَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِكَ نَحْوَ رَعِيَّتِكَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ بِسَلَامَةِ ... المزيد

 08-08-2024
 
 658
01-08-2024 895 مشاهدة
920ـ خطبة الجمعة: أصدق الناس طوية

مُهِمَّتُنَا مُهِمَّةُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، قَالَ تعالى: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾. ... المزيد

 01-08-2024
 
 895

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5628
المقالات 3184
المكتبة الصوتية 4834
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417076827
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :