923ـ خطبة الجمعة: أثر الصدق والحكمة بين الراعي والرعية

923ـ خطبة الجمعة: أثر الصدق والحكمة بين الراعي والرعية

923ـ خطبة الجمعة: أثر الصدق والحكمة بين الراعي والرعية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَا زَالَ حَدِيثِي يَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ في الأُمَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِسَلَامَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَخَاصَّةً أَنَّنَا أَصْبَحْنَا نَعِيشُ وَنَرَى التَّمَزُّقَ في الأُمَّةِ بَيْنَ كُلِّ رَاعٍ وَرَعِيَّتِهِ، إِلَّا مَا رَحِمَ اللهُ تعالى، وَعَلَامَاتُ خَسَارَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ظَاهِرَةٌ وَوَاضِحَةٌ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

أَيُّهَا الرَّاعِي، تَعَامَلْ مَعَ رَعِيَّتِكَ بِالصِّدْقِ وَالحِكْمَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَقُولُ لِكُلِّ رَاعٍ في الأُمَّةِ، وَالكُلُّ رَاعٍ، يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، تَعَامَلْ مَعَ رَعِيَّتِكَ بِالصِّدْقِ وَالحِكْمَةِ.

تَعَامَلْ مَعَ رَعِيَّتِكَ بِالصِّدْقِ، لِأَنَّكَ إِنْ صَدَقَتْهَا صَدَقَتْكَ، وَالصِّدْقُ يَكُونُ بِالقَوْلِ وَالعَمَلِ وَالحَالِ، وَمَنْ صَدَقَ قَوْلًا صَدَقَ عَمَلًا، وَمَنْ صَدَقَ قَوْلًا وَعَمَلًا صَدَقَ حَالًا، وَعِنْدَهَا يَفِيضُ الصِّدْقُ مِنَ الصَّادِقِ عَلَى جَمِيعِ جَوَارِحِهِ.

وَاسْمَعُوا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلَامٍ».

فَمَنْ مَارَسَ الصِّدْقَ قَوْلًا وَعَمَلًا وَحَالًا، وَاتَّخَذَهُ دَيْدَنًا لَهُ، أَصْبَحَتْ أَسَارِيرُهُ تَنْطِقُ بِالصِّدْقِ.

يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، تَعَامَلْ مَعَ رَعِيَّتِكَ بِالحِكْمَةِ، وَالحِكْمَةُ هِيَ وَضْعُ الشَّيْءِ في مَحَلِّهِ، وَفَضْلُهَا عَظِيمٌ، وَيَكْفِي الحَكِيمَ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

فَالحِكْمَةُ فِيهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى كُلَّ رَاعٍ أَنْ يَدْعُوَ رَعِيَّتَهُ بِالحِكْمَةِ، فَقَالَ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.

مِنَ الحِكْمَةِ أَنْ تَضَعَ الشَّيْءَ في مَوْضِعِهِ، فَتُخَاطِبَ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ رَعِيَّتِكَ بِمَا يُنَاسِبُهُ، يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُوَجِّهًا كُلَّ رَاعٍ عِنْدَمَا يَتَحَدَّثُ مَعَ رَعِيَّتِهِ: حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ. رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً.

يَا أَيُّهَا الرَّاعِي: مِنَ الحِكْمَةِ الرِّفْقُ بِرَعِيَّتِكَ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ مَعَ رَعِيَّتِكَ، وَلَوْ كُنْتَ تَأْمُرُهُمْ بِالحَقِّ وَتَأْمُرُهُمْ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

يُرْوَى أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ؛ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ؛ فَاحْتَمِلْهُ لِي.

فَقَالَ: لَا، وَلَا نِعْمَةُ عَيْنٍ وَلَا كَرَامَةٌ، قَدْ بَعَثَ اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ إِلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولُ لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا. كَذَا في المُجَالَسَةِ وَجَوَاهِرِ العِلْمِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَتَعَامَلْ مَعَ بَعْضِنَا، وَلْيَتَعَامَلْ كُلُّ رَاعٍ مَعَ رَعِيَّتِهِ بِالصِّدْقِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَحَالًا، وَلْنَتَعَامَلْ جَمِيعًا مَعَ بَعْضِنَا بِالحِكْمَةِ، وَلِينِ القَوْلِ، وَسَتْرِ العُيُوبِ، وَالنَّصِيحَةِ لَا الفَضِيحَةِ، وَالتَّلْمِيحِ دُونَ التَّصْرِيحِ، فَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهَا، وَيَتَلَقَّاهَا بِاللِّينِ، وَبِبَسْطِ المُحَيَّا، عَلَى عَكْسِ الشِّدَّةِ التي تَدْفَعُ إلى المُكَابَرَةِ وَالنُّفُورِ وَالإِصْرَارِ، وَعِنْدَهَا تَأْخُذُ المُخَاطَبَ العِزَّةُ بِالإِثْمِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَكُنْ عَوْنًا لِإِخْوَانِنَا عَلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، وَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ نَكُونَ عَوْنًا لِشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ عَلَى إِخْوَانِنَا.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِالصِّدْقِ وَالحِكْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالرِّفْقِ وَاللِّينِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 19/ صفر /1446هـ، الموافق: 23/ آب / 2024م

 2024-08-23
 403
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

13-09-2024 170 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 170
07-09-2024 710 مشاهدة
925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد

 07-09-2024
 
 710
29-08-2024 397 مشاهدة
924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ ... المزيد

 29-08-2024
 
 397
15-08-2024 640 مشاهدة
922ـ خطبة الجمعة: أيها الراعي كن مضرب مثل في سلامة الصدر

سَلَامَةُ العَلَاقَةِ بَيْنَ كُلِّ رَاعٍ وَرَعِيَّتِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَاسُكِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِحُسْنِ أَخْلَاقِ الرِّاعِي مَعَ رَعِيَّتِهِ، مَعَ سَلَامَةِ طَوِيَّتِهِ وَحُبِّهِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 640
08-08-2024 735 مشاهدة
921ـ خطبة الجمعة: سلامة قلب الراعي

أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَعِيَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، لِأَقُولَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِكَ نَحْوَ رَعِيَّتِكَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ بِسَلَامَةِ ... المزيد

 08-08-2024
 
 735
01-08-2024 986 مشاهدة
920ـ خطبة الجمعة: أصدق الناس طوية

مُهِمَّتُنَا مُهِمَّةُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، قَالَ تعالى: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾. ... المزيد

 01-08-2024
 
 986

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5628
المقالات 3188
المكتبة الصوتية 4842
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417284363
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :