924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ لَهُ، فَشَهِدُوا أَعْظَمَ شَهَادَةٍ لِأَعْظَمِ مَشْهُودٍ لَهُ قَالَ تعالى: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

هَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الأَجِلَّاءُ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَرِثُوا أَعْظَمَ إِرْثٍ مِنْ أَعْظَمِ مَوْرُوثٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ فَضَائِلُهُمْ وَمَحَاسِنُهُمْ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فَهُمْ صَمَّامُ الأَمَانِ للنَّاسِ، وَمَركَبُ نَجَاةٍ لِمَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ، هُمْ أَسَاسُ الأُمَّةِ، وَأَعْمِدَةُ المُجْتَمَعِ، بِفَقْدِهِمْ فَقْدُ الأُمَّةِ وَالمُجْتَمَعِ؛ مَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ في النَّاسِ وَهُمْ عَنْهُمْ أَغْنِيَاءُ، وَمَا أَسْوَأَ أَثَرَ النَّاسِ فِيهِمْ وَهُمْ إِلَيْهِمْ فُقَرَاءُ.

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا فُقَرَاءُ وَبِحَاجَةٍ إلى العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ مِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ دِينِنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَمِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ دُنْيَانَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَمِنْ أَجْلِ إِصْلَاحِ آخِرَتِنَا التي إِلَيْهَا مَرَدُّنَا وَمَعَادُنَا.

فَقْدُ العُلَمَاءِ مُصِيبَةٌ كُبْرَى:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ رَفْعُ العِلْمِ، وَفُشُوُّ الجَهْلِ، وَظُهُورُ الفِتَنِ، وَكَثْرَةُ الهَرْجِ.

وَإِنَّ العِلْمَ لَا يُرْفَعُ مِنْ صُدُورِ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، وَلَكِنْ يُرْفَعُ بِنِهَايَةِ آجَالِهِمْ، وَبِالْتِحَاقِهِمْ بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى.

يَقُولُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يُفْتَقَرُ إِلَى مَا عِنْدَهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالتَّعَمُّقَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ يَنْبِذُونَهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، لَا تُسَدُّ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. كَذَا في جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ وَفَضْلِهِ.

فَمَنْ عَرَفَ لِلْعُلَمَاءِ قَدْرَهُمْ أَدْرَكَ عِظَمَ المُصِيبَةِ بِفَقْدِهِمْ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أُصِيبَتِ اليَوْمَ بَلَدُنَا بِفَقْدِ عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ عَامِلٍ مُتَّبِعٍ وَمُطَبِّقٍ بَعْدَ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ، لَقَدْ فَقَدْنَا عَالِمًا ذَاكِرًا للهِ تعالى آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فَقَدْنَا عَالِمًا مُعَلِّمًا في جُلِّ أَوْقَاتِهِ، فَقَدْنَا عَالِمًا كَانَ حَرِيصًا كُلَّ الحِرْصِ عَلَى جَمْعِ النَّاسِ عَلَى اللهِ تعالى، مِنْ خِلَالِ مَجَالِسِ العِلْمِ وَالنُّصْحِ وَالإِرْشَادِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ فَقَدْنَا الشَّيْخَ مُحَمَّد نَدِيم الشِّهَابِيَّ الذي تَشْهَدُ لَهُ هَذِهِ البَلْدَةُ بِتَقْوَاهُ وَصَلَاحِهِ وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ بِمَا عَلِمَ، وَحِرْصِهِ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ اللهِ تعالى إلى آخِرِ حَيَاتِهِ، حَيْثُ تَوَفَّاهُ اللهُ تعالى صَبِيحَةَ يَوْمِ الأَحَدِ مِنْ الأُسْبُوعِ المُنْصَرِمِ، بَعْدَ أَنْ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ جَمَاعَةً، وَأَلْقَى دَرْسَهُ إلى وَقْتِ صَلَاةِ الضُّحَى، ثُمَّ صَلَّى الضُّحَى وَتَوَجَّهَ إلى بَيْتِهِ مِنْ أَجْلِ الرَّاحَةِ، فَكَانَتْ رَاحَتُهُ بِلِقَاءِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا ـ وَلَا نَتَأَلَّى عَلَى اللهِ تعالى ـ حَيْثُ سَلَّمَ رُوحَهُ للهِ تعالى بَعْدَ الضُّحَى بِسَاعَتَيْنِ، رَحِمَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً وَاسِعَةً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنْ فَقْدَ العَالِمِ العَامِلِ لَيْسَ فَقْدًا لِشَخْصِهِ، وَلَا لِصُورَتِهِ، وَلَا لِحُسْنِهِ وَجَمَالِ هَيْئَتِهِ، بَلْ هُوَ فَقْدٌ لِجُزْءٍ مِنْ مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ، بِحَسَبِ مَا قَامَ بِهِ العَالِمُ مِنَ التَّحْقِيقِ وَالتَّوْثِيقِ وَالتَّطْبِيقِ.

رَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ».

قَالُوا: وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ يَا نَبِيَّ اللهِ، وَفِينَا كِتَابُ اللهِ؟

قَالَ: فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: «ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ، أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا، إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ، إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ».

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ فَقْدَ العَالِمِ مُصِيبَةٌ عَلَى الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ، وَلَعَلَّ اللهَ تعالى يَكْتُبُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ خَلَفًا لِمَنْ سَبَقَهَا مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ، وَهَذَا هُوَ دَوْرُ الشَّبَابِ الذينَ يَطْلُبُونَ العِلْمَ، يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا لِي أَرَى عُلَمَاءَكُمْ يَذْهَبُونَ وَجُهَّالَكُمْ لَا يَتَعَلَّمُونَ؟ تعلَّموا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، فَإِنَّ رَفْعَ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ. رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.

نَسْأَلُكَ يَا رَبَّنَا أَنْ تَجْعَلَنَا خَيْرَ خَلَفٍ لِخَيْرِ سَلَفٍ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 26/ صفر /1446هـ، الموافق: 30/ آب / 2024م

 2024-08-29
 397
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

13-09-2024 170 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 170
07-09-2024 712 مشاهدة
925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد

 07-09-2024
 
 712
23-08-2024 404 مشاهدة
923ـ خطبة الجمعة: أثر الصدق والحكمة بين الراعي والرعية

مَا زَالَ حَدِيثِي يَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ في الأُمَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِسَلَامَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 23-08-2024
 
 404
15-08-2024 640 مشاهدة
922ـ خطبة الجمعة: أيها الراعي كن مضرب مثل في سلامة الصدر

سَلَامَةُ العَلَاقَةِ بَيْنَ كُلِّ رَاعٍ وَرَعِيَّتِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَاسُكِ وَالتَّآلُفِ وَالتَّحَابُبِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِحُسْنِ أَخْلَاقِ الرِّاعِي مَعَ رَعِيَّتِهِ، مَعَ سَلَامَةِ طَوِيَّتِهِ وَحُبِّهِ ... المزيد

 15-08-2024
 
 640
08-08-2024 735 مشاهدة
921ـ خطبة الجمعة: سلامة قلب الراعي

أَتَوَجَّهُ إلى كُلِّ رَاعٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَعِيَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، لِأَقُولَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، كُنْ حَرِيصًا عَلَى سَلَامَةِ قَلْبِكَ نَحْوَ رَعِيَّتِكَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ بِسَلَامَةِ ... المزيد

 08-08-2024
 
 735
01-08-2024 986 مشاهدة
920ـ خطبة الجمعة: أصدق الناس طوية

مُهِمَّتُنَا مُهِمَّةُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، قَالَ تعالى: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾. ... المزيد

 01-08-2024
 
 986

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5628
المقالات 3188
المكتبة الصوتية 4842
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417284407
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :