160- خطبة الجمعة: صاحب الذكرى ما كان متميِّزاً بين أصحابه

160- خطبة الجمعة: صاحب الذكرى ما كان متميِّزاً بين أصحابه

 

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فيا عباد الله:

لقد شاهدنا في هذا الأسبوع مظاهر الاحتفال بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من زينة وتوزيع حلوى، واحتفالات في المساجد وفي البيوت، وفرق الإنشاد والمديح للنبي صلى الله عليه وسلم، وجعل الولائم وما شاكل ذلك، كل هذا شيء حسن، لأن كلَّ واحد يعبِّر عن فرحه بمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنَّ الحسن والأكمل والأفضل هو أن يترجم هذا المحب الفرحَ بمولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاتباع لصاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم، أن يترجم هذا الحبَّ ترجمةَ سلوكٍ وعمل، لأن الله تعالى طالب أدعياء المحبة بالاتباع لهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}.

أيها الإخوة الأحبة: إن السؤال يوم القيامة عن العمل، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}. حبٌّ بدون اتباع لا قيمة له، حبٌّ بدون اقتداء وهمٌ في وهم، حبٌّ بدون تأسي بالمحبوب سراب في سراب، إن كنت صادقاً في محبتك فليرَ الناس منك شخصية من تحب في سلوكك وأخلاقك، لِيَرَ الناس بأبصارهم فيك شخصية محبوبك قبل أن يسمعوا كلامك بأنك محب، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين}.

شاب مخنَّث يدَّعي المحبة، امرأة سافرة تدَّعي المحبة، هذا الشاب الذي تخنَّث صدق في محبة المخنثين فتشبَّه بهم، وهذه المرأة السافرة صدقت في محبة السافرات فتشبَّهت بهنَّ، فكيف يدَّعي كل واحد منهما أنَّه محبٌّ لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة الكرام: الإسلام ليس شارات ولا طقوساً ولا مناسبات بين الحين والآخر، الإسلام دين اعتقاد وسلوك وعبادة ومعاملة منضبطة بضوابط الشريعة، فإذا قَصَرنا الإسلام على الطقوس والشارات والمناسبات فاعلموا بأن الغرب يرضى عنا، لأنه يريد منا إسلاماً بالكلام دون السلوك والعمل، لا يريد أن يرى الإسلام مجسَّداً في أتباعه، يريده نظريات فقط.

ولو أنَّ المسلمين اليوم التزموا بحكم من أحكام الله وطبَّقوه تطبيقاً عملياً لأرعبوا الغرب، لو حرَّموا على أنفسهم الربا الذي حرَّمه الله عليهم لأرعبوا الغرب، ولو حجَّبوا نساءهم بالحجاب الشرعي لأرعبوا الغرب، لو دعوا إلى الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى ولنصرة هذا الدين لأرعبوا الغرب.

لا تميِّز نفسك على أقرانك:

أيها الإخوة: لعلنا في ذكرى المولد أن نأخذ جانباً من جوانب هذه الشخصية العظيمة ونطبِّقها على أنفسنا تطبيقاً عملياً، لعلَّنا في هذه الذكرى أن نأخذ من أخلاقه صلى الله عليه وسلم خلق التواضع وعدم التميُّز على الأقران.

لقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يكره التميُّز على أصحابه، وفي ذلك درس بليغ للأمة على جميع مستوياتها في أن لا يجعلوا بما فضَّلهم الله عز وجل به تمييزاً على أقرانهم، لأنَّ الله تعالى عندما رفع الناس بعضهم على بعض بيَّن لهم الغاية من هذا الرفع فقال: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}. هذا الرفع الذي رفعك الله إياه هو اختبار لك، فكن على حذر من أن تجعل من نعمة الله عليك سبباً للتميُّز على أقرانك بالكبر والاستعلاء.

الذي يميِّز نفسه على أقرانه هو في الحقيقة إنسان غافل عن الحقيقة التي أشار إليها الله تعالى إليها في القرآن بقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}. هو غافل عن قوله تعالى: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}:

أيها الإخوة الكرام: تفكَّروا في قول الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}. هذه الآية الكريمة تتحدَّث عن الرسل لا عن الأنبياء، لأنَّ الرسل اختصهم الله بالرسالة عن الأنبياء، فكلُّ رسولٍ نبيٌّ، ولا عكس، فالرسل أفضل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً.

فسادة الأنبياء الرسل، وفيهم يقول الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}. من هذا التفضيل: {مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ}. وهو سيدنا موسى عليه السلام، ومنهم: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}. وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم سيدنا عيسى عليه السلام: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}.

أيها الإخوة الكرام: لننظر في شخصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ماذا قال ربنا عز وجل عنه في التفضيل؟ {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}. لم يقل ربنا عز وجل درجة، بل قال: درجات، وعلى من رفعه الله تعالى؟ لقد رفعه على الرسل والأنبياء جميعاً، فما أحد منهم نال مقامه الشريف.

كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الرفع؟ لننظر إليه صلى الله عليه وسلم، ولننظر إلى أنفسنا عندما رفع الله الرجل على المرأة درجة واحدة لا درجات، كيف حالنا؟ ربنا عز وجل قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}. سكرنا بهذه الدرجة، حتى البعض وصل إلى درجة الفرعونية على زوجته بهذه الدرجة، ونسينا قوله تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}.

أيها الإخوة الكرام: لننظر إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رفعه الله تعالى على الرسل جميعاً درجات، حتى قال عن ذاته الشريفة: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه. ولننظر إلى أنفسنا ولنجعل المقارنة إن صحَّت المقارنة بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم، وعذراً يا سيدي يا رسول الله إن قلت لنجعل المقارنة.

بأيِّ شيء رفعك الله على أقرانك؟ واحد رفعه الله بالمال، والآخر رفعه الله بالعلم، وآخر رفعه الله بالجاه، وآخر رفعه الله بالرياسة والريادة، وآخر وآخر.....

كل صور الرفع رفعٌ بعرض من أعراض الدنيا، فإذا بهذا المرفوع بعرض من أعراض الدنيا يجعل من نفسه شخصية متميِّزة على أقرانه، مع علمه بأن هذه النعم التي خصَّه الله بها على غيره هي ظلٌّ زائل وعرض حائل، ومع ذلك سكر بها وجعل من نفسه شخصية متميِّزة على أقرانه.

(أيُّكم محمد)؟

أيها الإخوة: لنسمع ما يحدثنا به سيدنا نس رضي الله عنه قال: (بيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ.

فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ.

فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ!

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَبْتُكَ.

فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ.

فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ.

فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟

فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟

قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ؟

قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ) رواه البخاري.

فكِّروا في بعض كلمات هذا الحديث:

أيها الإخوة الأحبة: فكِّروا في بعض كلمات هذا الحديث الشريف:

أولاً: الأعرابي يسأل الصحب الكرام: (أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ)؟ يا سبحان الله، ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم متميِّزاً بين أصحابه؟ الجواب: قطعاً لا، لم يكن له مكان مخصوص في المجلس، فكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل مجلساً جلس حيث ينتهي به المجلس، لأن المكان لا يجعل مكانة، الإنسان هو الذي يجعل مكانة للمكان.

لم يكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم متميزاً بين أصحابه مع أن الله تعالى رفعه على جميع الرسل درجات.

هلَّا فكرت في هذا أيها الطبيب، أيها التاجر، أيها العالم، أيها المسؤول، أيها الحاكم؟

لا تكن مغروراً بما آتاك الله، واعلم بأن محبتك لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تجعل منك شخصية متَّبعة لا مبتدعة، واعلم بأن مآلك إلى حفرة ضيقة، ورحم الله من قال: الموت يعمُّنا، والقبر يضمُّنا، والقيامة تجمعنا، والله يفصل بيننا.

ثانياً: فكِّروا في قول الأعرابي: (ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) هذا الرجل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) ما خاطبه باسمه الشريف، مع أن الله تعالى حذَّر الأمة من أن تخاطب النبي صلى الله عليه وسلم باسمه الشريف، فقال: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}. بل إنَّ ربنا عز وجل خاطب أولي العزم من الرسل بأسمائهم إلا الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم فقال: يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، فضلاً عن الأنبياء حيث خاطبهم بأسمائهم كذلك فقال: يا زكريا، يا يحيى، يا داود... وهكذا.

أما حبيبنا صلى الله عليه وسلم فخاطبه بوصف النبوة وبوصف الرسالة، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}. وقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}. وخاطبه بالحال الذي هو فيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل} {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر}. وكلُّ هذا لعلوِّ قدره صلى الله عليه وسلم.

هذا الرجل يخاطب النبيَّ صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) هل تغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل تضايق من خطابه؟ لا وربِّ الكعبة فما بالنا نحن إن خاطبَنا أحد بأسمائنا؟ نعم إنه العُجب وإنه الغرور، وما هذا إلا لغفلة العبد عن ربه عز وجل.

ثالثاً: انظر إلى هذا الخُلُق السامي الرفيع من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال له الرجل: (إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ) وإلى قوله: (أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ..). هل تغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الأعرابي مع مقامه السامي العالي العظيم القدر؟

فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متميِّزاً على أصحابه، وكان صلى الله عليه وسلم قمَّة في التواضع مع جلالة قدره ومكانته المرفوعة عند الله عز وجل.

وعليَّ جمع الحطب:

أيها الإخوة: لنأخذ هذا الخلق السامي الرفيع من سيرته العطرة في ذكرى مولده الشريف صلى الله عليه وسلم، ما يميِّز نفسه على أحد من أصحابه الكرام، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خدمته نحواً من عشر سنين، فو الله ما صحبته في حضر ولا سفر إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له. وما قال لي أفٍّ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟ ولا قال لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟ وكان صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله، عليّ ذبحها، وقال آخر: عليَّ سلخها، وقال آخر: عليّ طبخها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وعليّ جمع الحطب! فقالوا: يا رسول الله، نحن نكفيك، فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميَّز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميِّزاً بين أصحابه، وقام فجمع الحطب) رواه الطبري.

كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله:

أيها الإخوة: بل لم يكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم متميزاً حتى في بيته مع أهله الكرام رضي الله عنهن، فكان من شمائله وسيرته العطرة في بيته أنَّه كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويعلف ناضحه، ويعقل البعير، ويأكل مع الخادم ويحمل بضاعته إلى السوق، وسُئلت السيدة عائشةُ رضي الله عنها: (مَا كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالت: كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أهْلِهِ يعني - خِدمَة أهلِه - فإذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ ) رواه البخاري.

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

أيها الإخوة الأحبة: لقد رفع الله بعضنا على بعض اختباراً وابتلاءً، وأمرنا بمحوِ الأنا من بيننا، فلا يجوز لأحدنا أن يميِّز نفسه على الآخرين بما وهبه الله تعالى من النعم، لأن التميُّز مزَّق الأمة وفرَّق شملها.

ما أنت فيه من نعمة حافظ عليها بخلق التواضع، وتذكر قوله تعالى: {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً}. وتذكر بأن الإنسان أوَّله نطفة مَذِرَة وآخره جيفة قَذِرة والآن يحمل العذِرة، ورحم الله من قال: أيها الشامخ الذي لا يرام نحن من طينة عليك السلام.

أنت سيِّد في مكانك وفي عملك، فإذا ما خرجت إلى الناس فأنت واحد منهم، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وكان بعضهم إذا دخل المسجد قال لإخوانه: تعالوا لنخلِّف أقدارنا مع أحذيتنا، كلُّنا عبيد الله تعالى.

أسأل الله تعالى أن يخلِّقنا بأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر أحوالنا، وأن يجعل إيماننا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة لنا لا علينا. إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.

أقول هذا القول وكل منا يستغفر الله العظيم، فيا فوز المستغفرين.

**     **     **

 

 2010-03-05
 5577
الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

04-10-2024 1488 مشاهدة
929ـ خطبة الجمعة: الأدب مع الله قلبًا ولسانًا وأركانًا

إِنَّ أَعْلَى مَرَاتِبِ الأَدَبِ الأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى، بَلْ هُوَ أَصْلُ كُلِّ أَدَبٍ، وَالأَدَبُ مَعَ اللهِ تعالى هُوَ حُسْنُ الانْقِيَادِ لِأَوَامِرِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، مَعَ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالحَيَاءِ مِنْهُ تَبَارَكَ وتعالى. ... المزيد

 04-10-2024
 
 1488
27-09-2024 1075 مشاهدة
928ـ خطبة الجمعة: الآداب المطلوبة من كل مسلم

لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِرِسَالَةٍ مِنْ عِنْدِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِنْ تَكْرِيمِ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ، وَقَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَتَأَدَّبُ مَعَ حَبِيبِهِ ... المزيد

 27-09-2024
 
 1075
20-09-2024 919 مشاهدة
927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ... المزيد

 20-09-2024
 
 919
13-09-2024 1041 مشاهدة
926ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (2)

العَارُ كُلُّ العَارِ أَنْ لَا يَعْرِفَ الإِنْسَانُ المُسْلِمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ المَعْرِفَةِ لَمْ يَرْتَبْ وَلَمْ يَشُكَّ في صِدْقِهِ وَفي صِدْقِ مَا جَاءَ ... المزيد

 13-09-2024
 
 1041
07-09-2024 1387 مشاهدة
925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا ... المزيد

 07-09-2024
 
 1387
29-08-2024 1064 مشاهدة
924ـ خطبة الجمعة: فقد العلماء مصيبة كبرى

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ الرَّبَّانِيُّونَ نُجُومٌ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةً لِمَنْ أَرَادَ سَلَامَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ شُهَدَاءُ اللهِ المَرْضِيُّونَ، أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَعْظَمِ مَشْهُودٍ ... المزيد

 29-08-2024
 
 1064

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5629
المقالات 3193
المكتبة الصوتية 4861
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 418280611
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :