الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فسنَّة الابتلاء ماضية في الأفراد، والجماعات، والشعوب، والأمم، والدُّوَل، وقد مضت هذه السنة في الصحابة الكرام، وتحمَّلوا ـ رضوان الله عليهم ـ من البلاء ما تنوءُ به الرواسي الشامخات، وأعطوا للأمة دروساً وعبراً في مدى حبِّهم لله تعالى ولرسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبحقٍّ أحبُّوا الله تعالى، وأحبُّوا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أكثر من كلِّ شيء، حتى من أنفسهم الزكية الطاهرة.
جاء في السيرة النبوية لابن كثير، عن أُمِّنا الطاهرةِ البتول، زوجِ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وحبيبتهِ، الصدِّيقةِ بنتِ الصدِّيقِ، المبرَّأةِ من فوق سبع سموات، السيِّدةِ عائشةَ رضي الله عنها قالت:
لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، ألحَّ أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الظهور فقال: يا أبا بكر إنا قليلٌ، فلم يزل أبو بكر يُلِحُّ حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتفرَّق المسلمون في نواحي المسجد كلُّ رجلٍ في عشيرته.
وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جالس، فكان أوَّل خطيبٍ دعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضُربوا في نواحي المسجد ضرباً شديداً، وَوُطِئَ أبو بكر رضي الله عنه، وَضُرِبَ ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يُعرف وجهه من أنفه.
وجاء بنو تيم يتعادَون، فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولا يَشكُّونَ في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلنَّ عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلِّمون أبا بكر حتى أجاب.
فتكلَّم آخر النهار فقال: مَا فَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟
فمسُّوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لأمه أم الخير: أنظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحَّت عليه وجعل يقول: ما فعل رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟
فقالت: والله ما لي علم بصاحبك.
فقال اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟ فقالت ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك. قالت: نعم.
فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دَنِفَاً، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: والله إنَّ قوماً نالوا هذا منك لأهل فسقٍ وكفرٍ، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم.
قال: فَمَا فَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟
قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها.
قالت: سالم صالح.
قال: أين هو؟
قالت: في دار ابن الأرقم، قال: فإنَّ لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا أشربَ شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فأُمْهِلَتَا حتى إذا هَدَأَت الرِجْلُ وسَكَنَ الناسُ، خَرَجَتَا به يَتَّكِئُ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قال: فأكبَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقبَّله، وأكبَّ عليه المسلمون، ورقَّ له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رِقَّةً شديدةً.
فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأسٌ إلا ما نالَ الفاسق من وجهي، وهذه أمي بَرَّة ٌ بولدها، وأنت مبارك، فادعها إلى الله، وادع الله لها، عسى الله أن يَسْتَنْقِذَهَا بك من النار.
قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ودعاها إلى الله، فأسلمت. اهــ.
يا عباد الله! هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أصحابه الكرام، فأين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فينا؟ أين شريعته فينا؟ أين سنَّته فينا؟ أين سيرته فينا؟ أين تعظيمه فينا؟ وخاصَّةً ونحن نستقبل شهر ربيعٍ الأول شهر المولد المبارك، هلَّا تذكرنا قول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
نسأل الله تعالى الاتباع، وأن يجنِّبَنا الابتداع، وأن نُعظِّم الحبيب في نفوسنا، ونحيي شريعته فينا. اللهم وفِّقنا لذلك، يا أرحم الراحمين.
أخوكم أحمد النعسان
يرجوكم دعوة صالحة بظهر الغيب
** ** **
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |
هَا نَحْنُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، شَهْرِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، حَيْثُ يَحْتَفِلُ المُسْلِمُونَ في بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي بُيُوتِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَى الإِنْشَادِ وَالمَدِيحِ، وَتَوْزِيعِ الحَلْوَى، وَجَعْلِ المَوَائِدِ؛ ... المزيد
مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَنْ يَحْزَنَ، خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا مَمْزُوجٌ بِالأَكْدَارِ، فَكَيْفَ بِأَكْدَارِهَا؟! قَالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... المزيد
الرِّفْقُ وَاللِّينُ مَا وُجِدَا في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، فَاللِّينُ في الكَلَامِ وَالْتِزَامُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. وَقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا ... المزيد
هَذِهِ أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَاسْمَعُوا إلى هَدْيِ حَبِيبِكُمُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى ... المزيد
إِنَّ حَيَاةَ الإِنْسَانِ مَحْدُودَةُ الآجَالِ، وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ تَمْضِي سَرِيعَةً إلى الزَّوَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا ... المزيد
هَا هُوَ يَوْمُ العِيدِ قَدْ جَاءَ بَعْدَ طَاعَةٍ عَظِيمَةٍ، بَعْدَ رُكْنٍ عَظِيمٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، كَيْفَ لَا يَأْتِي يَوْمُ عِيدٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ شَهْرٍ عَظِيمٍ مُبَارَكٍ أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ، الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِنَا؟ ... المزيد